للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالجملة فالسيد المذكور -رحمه الله- قد جرد النظر في بحثه السابق إلى الإقرار بالتوحيد الظاهري، واعتبر مجرد التكلم بكلمة التوحيد فقط من دون نظر إلى ما ينافي ذلك من أفعال المتكلم بكلمة التوحيد ويخالفه في اعتقاده الذي صدرت عنه تلك الأفعال المتعلقة بالأموات [٤٣]، وهذا الاعتبار لا ينبغي التعويل عليه، ولا الاشتغال به، فالله -سبحانه- إنما ينظر إلى القلوب، وما صدر من الأفعال عن اعتقاد لا إلى مجرد الألفاظ، وإلا لما كان فرق بين المؤمن والمنافق. وأما ما نقله السيد (١) المذكور -رحمه الله- عن ابن القيم في أول كلامه من تقسيم الكفر إلى عملي واعتقادي، فهو كلام صحيح، وعليه جمهور المحققين، ولكن لا يقول ابن القيم ولا غيره أن الاعتقاد في الأموات على الصفة التي ذكرها هو من الكفر العملي. وسننقل هاهنا كلام ابن القيم في أن ما يفعله المعتقدون في الأموات من الشرك الأكبر كما نقل عنه السيد -رحمه الله- في كلامه السابق، ثم نتبع ذلك بالنقل عن بعض أهل العلم، فإن السائل -كثر الله فوائده- قد طلب ذلك في سؤاله.

[أنواع الشرك]

فنقول: قال ابن القيم في شرح المنازل (٢) في باب التوبة: وأما الشرك فهو نوعان: أكبر، وأصغر:

فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو أن يتخذ من دون الله ندا يحبه كما يحب الله. أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، ويغضبون لمنتقص معبودهم من المشائخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين، وقد شاهدنا هذا -نحن وغيرنا- منهم جهرة، وترى أحدهم قد اتخذ ذكر معبوده على لسانه إن قام وإن قعد وإن عثر، وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنه باب حاجته إلى الله، وشفيعه عنده. وهكذا كان عباد الأصنام،


(١) محمد بن إسماعيل الأمير.
(٢) أي "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (١/ ٣٧٩ - ٠ ٣٨).