للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سواء وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم، وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم، فأولئك كانت آلهتهم من الحجز، وغيرهم اتخذها من البشر. قال الله حاكيا عن أسلاف هؤلاء [٤٤]:} والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار {(١). وهكذا حال من اتخذ من دون الله وليا يزعم أنه يقربه إلى الله تعالى. وما أعز من تخلص من هذا بل ما أعز من لا يعادي من أنكره! والذي قام بقلوب هؤلاء المشركين أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، وهذا عين الشرك. وقد أنكر الله ذلك في كتابه، وأبطله. وأخبر أن الشفاعة كلها له. ثم ذكر الآية التي بسورة سبأ (٢)، وهي قوله تعالى:} قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض {. وتكلم (٣) عليها ثم قال (٤): والقرآن مملوء من أمثالها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته، ويظنه في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وفهم القرآن كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إنما تنقض عرى الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، وهذا لأنه إذا يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه، وقع فيه وأقره، ودعا إليه وصوبه وحسنه، وهو لا


(١) [الزمر:٣].
(٢) (وما لهم فيهما من شرك وما لهم منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) [سبأ: ٢٢ - ٢٣].
(٣) في كتابه " مدارج السالكين " (١/ ٣٨٣).
فقال: فنفى -سبحانه- المراتب الأربع نفيا مرتبا من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك، والشركة، والمظاهرة والشفاعة التي يظنها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه.
فكفى بهذه الآية نورا، وبرهانا ونجاة وتجريدا للتوحيد وقطعا لأصول الشرك ومواده لمن عقلها.
(٤) ابن القيم في مدارج السالكين (١/ ٣٨٣).