للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفتاوى أن يجرِّدَ نظرَهُ إلى أن الأصلَ أنَّ حُكْمِ الرجال في نفاذ التصرُّفِ، وعدمِ صحةِ الرجوعِ، بل ينبغي إمعانُ النظرِ وإعمالُ الفكرِ، وإكمالُ البحثِ عن صفة ذلك التصرُّفِ، والتفتيشُ عن الأمر [٣ب] الحاملِ عليه، وملاحظةُ تلك المرأةِ التي وقع منها التمليكُ في حسن عقلها، وجَوْدَةِ اختيارِها، ومعرفتِها بمداركِ التصرفاتِ، فإنْ وجدَها لا تعرفُ لوازمَ التمليكِ بأي نوع من الأنواع، ولا تدري أن ذلك من موجباتِ انتقال المال عن ملكها بعد ذلك اللفظِ، رضيتْ أم كرهتْ، كما هو شأنُ أكثرِ النساءِ الساكناتِ في البوادي، بل وكثيرٌ من نساء الأمصارِ، فالواجب عليه القضاءُ ببطلانِ ذلك التصرُّف، وإرجاعِ المُلْكِ إلى مالكهِ، لأنَّ الله ـ سبحانه ـ قد أخبرنا بأنَّ الرِّضى معتبرٌ، وأخبرنا رسولُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ بأنه "لا يحلُّ مالُ امرئ مسلم إلاَّ بطيبةٍ من نفسه" (١).

وهذه المسكينةُ لا تعرفُ ما يلزمُها بلفظ التمليكِ الذي أوقعتْه، فضلاً عن أن تكون راضيةً به، طيبةً به نفسُها، فلا شكَّ ولا ريبَ أن القضاءَ بنفوذِ التصرف الخالي عن العِوَضِ على مَنْ كانت بهذه الصفةِ استنادًا إلى ما هو الأصلُ من أنَّ حكمَ المرأة حكمُ الرجلِ من الظلمِ البيِّن الذي لا يمتري فيه ممترٍ.

وهكذا إذا كانت المرأة المذكورةُ عارفةً بلازم ما أوقعتْه من لفظ الهبة والنذرِ ونحوِهما، ولكنها إنما جعلتْ ذلك لحيلة ناشئةٍ عن ترغيب أو ترهيب، فإن ذلك من البطلان بمكانٍ لا ينبغي لأحد أن يشكَّ فيه، لما تقرَّر شرعًا من بطلان الحيلِ (٢)، ومضادَّتِها للشريعة


(١) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(٢) قال الحافظ في "الفتح" (١٢/ ٣٢٦): الحيل: جمع حيلة وهي وهي ما يتوصل به إلى المقصود بطريق خفي. وهي عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق أو إثبات باطل فهي حرام أو إلى إثبات حق او دفع باطل فهي واجبة أو مستحبة، وإن توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع في مكروه فهي مستحبة أو مباحة، أو إلى ترك مندوب فهي مكروهة.
ومن أدلة من أجاز الحيل مطلقًا:
قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} وقد عمل به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حق الضعيف الذي زنى، وهو حديث أبي أمامة بن سهل.
ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} وفي الحيل مخارج من المضايق، ومنه مشروعية الاستثناء، فإن فيه تخليصًا من الحنث وكذلك الشروط كلها فإن سلامة من الوقوع في الحرج ... ".
وأدلة من أبطل الحيل مطلقًا:
- قصة أصحاب السبت وحديث "حرمت عليهم الشحوم فجمَّلوها فباعوها وأكلو ثمنها" وحديث النهي عن النجش وحديث: "لعن المحلل والمحلل له
".
وانظر: أدلة تحريم الحيل مفصلاً في "إعلام الموقعين" (٣/ ١٥٩ ـ وما بعدها).