للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ترْكِه على الترْك لا الاحتجاجُ بفعله على المطلوب.

وأما تقريرُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فلم يُنْقل إلينا أن أحدًا من الصحابة كتب الصلاة عليه عند ذكْرِه واطلع على ذلك وقرَّره بل ربما كان الأمرُ بالعكس فإن اسمَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كان يُكْتَب في المكاتبات والمهادَنات والإقطاعات ولم يُنقل أن أحدًا من الكُتَّاب كتب فيها بعد اسمِه الصلاةَ عليه وقد اطّلع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ على ذلك الترْكِ وقرَّره ولم يُنْكِرْه فكان دليلاً على عدم التعبُّد بذلك، وهذا الاستدلالُ وإن كان غيرَ مُحتاجٍ إليه من جهة القائلِ بالعدم لأنه في مقام المنْعِ والاستدلالُ وظيفةُ المُدّعي للمشروعية لأنه أثبَتَ ما الأصل (١) والظاهرُ عدمُه، لكنه لا يخلو عن فائدة.

إذا تقرر هذا تبيّن للسائل كثّر الله فوائدَه عدمُ التعبُّدِ بكَتْب الصلاةِ عليه (٢) صلى الله


(١) هناك سقط لعله (زاد على الأصل).
(٢) قال النووي: "ينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاةوالتسليم على رسول الله عند ذكره، ولا يسأم من تكريره، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك حرم حظًّا عظيمًا وما يكتبه فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه، فلهذا لا يتقيد فيه بالرواية، ولا يقتصر على ما في الأصل إن كان ناقصًا، وهكذا الأمر في الثناء على الله تعالى كعز وجل وتبارك وتعالى وما أشبه هذا.
قلت: وكذا الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وساير الأخيار، وإذا وجد شيء من ذلك قد جاءت الرواية بشيء منه كانت العناية بإثباته أكثر، ثم ليجتنب في كتب الصلاة نقصين:
أحدهما: نقصُها صورة بأن يرمز إليها بحرفين أو نحو ذلك.
الثاني: نقصها معنى بأن يكتب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وسلم، أو يكتب عليه السلام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦].
انظر: "تدريب الراوي" (٢/ ٧٤ - ٧٧)، "التبصرة والتذكرة" (٢/ ١٢٨ - ١٣٣).
وقال أحمد محمد شاكر في شرحه لألفية السيوطي (ص١٥١): " ... وذهب أحمد بن حنبل إلى أن الناسخ يتبع الأصل الذي ينسخ منه فإن كان فيه ذلك كتبه، وإلاَّ لم يكتبه، وفي كل الأحوال يتلفظ الكاتب بذلك حين الكتابة، فيصلي نطقًا وخطًّا إذا كانت في الأصل صلاة، ونطقًا فقط إذا لم تكن.
وهذا هو القول المختار عندي، محافظة على الأصول الصحيحة لكتب السنة وغيرها وكذلك اختاره في طبع آثار المتقدمين، وبه أعمل إن شاء الله".
وانظر: "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" (ص١٣٠).