كذلك مسألةٌ حدثتْ في بلادنا وهو أن رجلاً ادّعى على آخرَ نحوَ خمسين قرشًا وأوردَ شاهدًا واحدًا، ثم بعد إيرادِه للشاهد قال للمدّعى عليه: صالحني فهل يكون طلبُه للمصالحة إقرارًا أم لا؟ مع أن الشاهدَ عْدلٌ وإنما طلب المصالحةَ ليستريحَ من الخصام، ثم ترجَّح له من بعدُ أن يُكمل شاهدَه، فهل له ذلك أم لا؟ ولا يخفاكم ما في المقصد الحسنِ. بيِّنوا لنا ذلك جُزيتم خيرًا بحق محمدٍ وآلِه الطاهرين.
الجواب: يقول حفظه الله تعالى:
أقول: طلبُ المدّعي للمصالحة على فرض عدمِ قيامِ شاهدٍ ولا غيرِه من الأمور التي يثبُت بها الحقُّ على طريق الاستقلال أو مع الانضمام إلى الغير ـ لا يكون إقرارًا ببُطلان دعواه [١٤] ولا إبطالاً لِما يستحقّه زائدًا على ما وقعت به المصالحةُ، لما تقرَّر من أن المصالحات ليست بأحكام يجب على كل واحدٍ من المتصالِحَيْن التزامُها والتوقّفُ على مقتضى ما وقعتْ عليه. بل لكل واحدٍ منهما نقضها متى شاء، وهذا مما لا أعلمُ فيه خلافًا، فقولُ السائلِ كثّر الله فوائدَه: هل يكون طلبُه للمصالحة إقرارًا: إنْ أراد إقرارًا ببُطلان الدعوى فلا مِريَة أن مجرَّد الطلب للصُّلح لا يكون إقرارًا ببطلان الدّعوى. وإن أراد أن يكون إقرارًا بعدم استحقاقِ القدْرِ الزائدِ على ما وقعت به المصالحةُ فكذلك.
نعم لو كان الطالبُ للمصالحة هو المدّعى عليه لكان لذلك الطلبِ شائبةُ إقرار بفَرْع الثبوت.
والحاصلُ أنه يجوز للمدّعي بعد وقوعِ المصالحة ببعض المقدار الذي ادّعاه أن يُطالِبَ بالزائد عليه فإن كان له بُرهانٌ على ذلك فلا شكَّ في صحة ذلك ولزومِه، وإن لم يكن له برهانٌ فله طلبُ اليمين من المدعى عليه أنه لا يستحقُّ عليه ذلك المقدار، أو لا يستحقُّ عليه شيئًا من الأصل، أو لا يستحق عليه زائدًا على ما وقعتْ به المصالحةُ. ثم هذا الصلحُ مع كونه غيرِ ملازمٍ لما عرفْتَ هو أيضًا صلحٌ على إنكار، وقد جزَم أهلُ .........