للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأجاب المولى العلامة الأوحد جلالُه، وفخامة شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني ـ أمتع الله بحياته، وبارك في أوقاته ـ بما لفظه:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيد المرسلين وآله الأكرمين.

أقول: الذي علَّلوا به في لحوق ابن الأمة بأمه إذا تزوجها حرًّا قد رضي العبودية لأولاده، لأن سيد الأمة لم يزوِّجه بها إلاَّ لانتفاعٍ بما يحصل من فوائدها، وأولادُها من فوائدها، مع أنهم يجعلون لهذا الولد الكائن من هذه الأمة لزوجها الحرّ حكم أبيه في النسب (١)، فيجعلونه عبدًا مملوكًا، ونسبه في الأحرار. بل قالوا: إنه لو تزوَّج القرشي بأمة غيرِه فجاءت ببنت كان لسيِّد هذه الأمة أن يطأ هذه البنت بالمُلك، مع كونها قرشية النَّسب، وهكذا ذكروا مسائل مترتبة على هذا اللحوق يضحكُ السامع منها عند سماعها كما وقع لهم عند الكلام على أنه يعتبر بالأم في الزكاة وبسنِّ الأضحية، وبالأب في النسب.


(١) قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٣١/ ٣٧٦): "إذا تزوج الرجل المرأة، وعلم أنَّها مملوكة، فإن ولدها منه مملوك لسيدها باتفاق الأئمة، فإن الولد يتبع أباه في النسب والولاء، ويتبع أمه في الحرية والرق".
- قال ابن قدامة في "المغني" (١٤/ ٥٨٩): وإذا أصاب الأمة، وهي في ملك غيره، بنكاح فحملت منه، ثمَّ ملكها حاملاً، عتق الجنين وكان له بيعها.
وجملتُه أنَّه إذا تزوّج أمة غيره، فأولدها، أو أحبلها، ثم ملكها بشراء أو غيره، لم تصر أمُّ ولدٍ له بذلك، سواءٌ ملكها حاملاً فولدت في ملكه أو ملكها بعد ولادتها. وبهذا قال الشافعي، رضي الله عنه لأنّها علقت منه بمملوك، فلم يثبت لها حكم الاستيلاد. كما لو زنى بها، ثم اشتراها، ولأنّ الأصل الرّق، وإنّضما خولف في الأصل فيما إذا حملت منه في ملكه، بقول الصحابة رضي الله عنهم ففيما عداه يبقى الأصل.
ونقل القاضي ابن أبي موسى، عن أحمد رضي الله عنه أنَّها تصير أمّ ولدٍ في الحالين وهو قول الحسن وأبي حنيفة لأنّها أم ولد، وهو مالك لها فيثبت لها حكم الاستيلاء. كما لو حملت في ملكه.