للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحاصل أنهم لم يُسندوا هذه المقالة إلى شيء من الأدلة قطُّ، ولو كان ما ذكروه من كون اختيار الأب الحرِّ لعبودية أولاده من أمَةِ الغير التي تزوَّجها صالحًا لذلك يلزم مثلُه في أولاده الحادثين بينه وبين الحُرَّة، وهذا لا يقول به عاقل فضلاً عن عالم، والوجه الجامعُ بين هذه الصورة وبين صورة النِّزاع أن سبب الحريَّةِ قد حصل في الجميع، وليس لمزيد وجود سبب الحرية من الجهتين زيادةٌ على وجوده من جهة، وأيضًا كان يلزم أن يكون اختيار السيد لعبودية ولده الحادث من أمَتِه لوطئه لها مؤثِرًا أن مصيره عبدًا لأنه لا سبب للحرية هاهنا إلاَّ من جهة الأب فقط، وهو خلاف الإجماع [١أ] بل خلاف الضرورة الدينية، فكيف لم يكن اختياره في أم نفسه الوالدة على قريبته لوطئِه مؤثرًا في عبودية أولاده، مع كونه مؤثرًا لعبودية أولاِده الحادثينَ من أمة الغير التي تزوَّجها. والعجبُ منهم أنهم حرموا بأن يقضي مسلم بإسلام أحد أبويه، وحرموا بأن الولد الحادث من الأمّ المشتركة، وكان أحدهما حرًا، والآخر عبدًا أنه يلحقُ بالحرِّ دون العبد، ليستفيد من أبيه الحريةَ، ولو كان العبد مسلمًا فإن مزية الحرية مقدَّمةٌ على ذلك كما في قوله في الأزهار (١): فإن اختلفوا فللحرِّ دون العبد ولو مسلمًا، والحال أن هذه أمة مشتركةٌ ليس


(١) (٢/ ٣٥٠ مع السيل الجرار).
قال الشوكاني في "السيل الجرار" (٢/ ٣٥٠): "ينبغي في مثل هذا بحديث زيد بن أرقم الذي أخرجه أحمد (٤/ ٣٧٣) وأبو داود رقم (٢٢٧٠) والنسائي رقم (٣٤٨٨) وابن ماجه رقم (٢٣٤٨) وهو حديث صحيح ـ قال: "أُتي عليٌّ وهو باليمن في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر فسأل اثنين فقال: أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا. ثم سأل اثنين: أتقرّان لهذا بالولد؟ فقالا: لا فجعل كلما سأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا. فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي أصابته القرعة. وجعل عليه ثلثي الدية، فذكر ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه".
فهذا الحديث يدل على أن الحكم في الأمة المشتركة هو هذا الحكم العلوي مع هذا التقرير المصطفويّ والقُرعة قد ثبت العمل بها في السنة في مواضع كثيرة ... .
وأما ما ذكره المصنف ـ صاحب الأزهار ـ فهو مجرد رأي لا يحمل الرجوع إليه مع ورود أقلِّ دليل وأبعد مستند. وانظر: "المغني (١٤/ ٥٨٤).