للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للحرّ الذي يحق به الولد لنا نصيبٌ منها، فكيف كانت مزية الحرية هاهنا مؤثرة، ولم تؤثر مزية الحرية في الحر الذي تزوَّج بأمةِ الغيرِ! فإن كانت هذه المقالةُ راجعة إلى ما تقرر في الشريعة الإسلامية فها هو هذا الذي تقرر فيها، فإني لم أقف في ذلك على دليل ولا شبه دليل وإن كان باعتبار ما كان متقررًا في أعراف الجاهلية، فالأمر عندهم بخلاف ذلك، ولهذا يقول عنترةُ العبسيُّ (١):

إني امرؤٌ من خَير عبسٍ مَنْصِبًا (٢) ... شَطْرِي وأحْمي سائري بالمُنصُلِ (٣)

فإن هذا إنما كانت أُمُّه أَمةً، وكان أبوه سيِّدَ عبْس فأثبت لنفسه الحريةَ لحوقًا بأبيه، وجعل ما يلحقه من القالة لكونه ابن أمةٍ محميًا بالسيف يعني أنه يلحقُ بشجاعته، وفتكِه بأولاد الأحرار والحرائر، وإن كان هذا الذي قالوا لعرف متقرِّر عند أهل الإسلام لم يدلّ عليه شرع، فهذا مدفوع، فإن الخليفة المأمون يقول لما كان يعيّر بكون أُمه أَمةً:

لا تزرينَّ بفتى من أن تكونَ له ... أمٌ من الرُّوم أو سوداءُ دعجاءُ

فإن أمهاتِ الناس أوعيةٌ ... مستودَعاتٌ والماء بناء آباءُ

هذا وإن كان في أولاد الإماء المستولَدَات، لكن مقصودنا دفعُ ما قدمنا من أن مجرد اختيار الأب الحر لعبودية أولاده ليس من أسباب [١ب] العبوديةِ لا شرعًا، ولا عقلاً،


(١) انظر ديوانه (ص٥٦) والقصيدة بعنوان (خير من معمّ مخول).
غزت بنو عبس بني تميم وعليهم، قيس بن زهير، فانهزمت بنو عبس، وطلبتهم بنو تميم، فوقف لهم عنترة. ولحقهم بكوكبة من الخيل، فحامى عنترة عن الناس فلم يصب مدبر، وكان قيس بن زهير سيدهم، فساءه ما صنع عنترة يومئذ. فقال حين رجع: والله ما حمى الناس إلى ابن السوداء، وكان قيس أكولاً، فبلغ عنترة ما قال، فقال يعرض به.
(٢) المنصب: الأصل والحسب.
(٣) المنصل: السيف.
انظر: "ديوان عنترة" (ص٥٧).