للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالحاصل من البحث أن ولد الحر المتزوج بأمةِ غيره حرٌّ (١) خالص، سواء رضي لعبودية أولاده أو لم يرضَ [٢ب]، وسواء رضي مالكُ أو لم يرضَ. ولا يلزم هذا الزوج لمالك الأمة شيئًا، وإن شرط عليه ذلك، لأن هذا الشرط قد تضمن تحليل ما حرَّمه الله ـ سبحانه ـ من عبودية الأحرار، فإن الحديث المتضمن لكون المؤمنين عند شروطهم مقيَّد بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إلا شرطًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً" (٢) وهذا منه. وأيضًا في حديث بريرة: "ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله! " وفيه الزَّجر البالغ لمن اشترط أن يكون ولاءُ بريرةَ له كما في الصحيحين (٣) وغيرهما (٤). ومعلوم لكل من يفهم أن اشتراط مجرد الوالاء (٥) على من عُتق (٦) بعد أن كان عبدًا متحقق العبوديةِ لغير من له الولاء عليه أخف، وأخف من


(١) وما نرجحه قول الشوكاني فتأمله.
(٢) تقدم تخريجه مرارًا.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢١٥٥) ومسلم رقم (٨، ٩/ ١٥٠٤).
(٤) كأبي داود رقم (٢٢٣٣) والترمذي رقم (١١٥٤) والنسائي (٦/ ١٦٤ - ١٦٥) وابن ماجه رقم (٢٥٢١) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٥) انظر "المفهم" (٤/ ٣٢٧ - ٣٢٩)
(٦) العتق في اللغة: الخلوصُ. ومنه عتاق الخيل، وعتاق الطَّير أي خالصتها وسمّي البيت الحرام عتيقًا، لخلوصه من أيدي الجبابرة.
وهو في الشرع: تحرير الرقبة، وتخليصها من الرِّقِّ.
يقال: عتق العبدُ، وأعتقته أنا، وهو عتيق، ومعتقٌ والأصلُ في الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: ٣].
وقوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣].
وأما السنة: ما أخرجه البخاري رقم (٢٥١٧) ومسلم رقم (٢٢/ ١٥٠٩) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أعتق رقبة مسلمةً أعتق الله بكل عضوٍ منه عضوًا من النار حتى فرجه بفرجه".
وأجمعت الأمة على صحة العتق وحصول القربة به.
والعتق من أفضل القرب إلى الله تعالى، لأن الله تعالى جعله كفارةً للقتل والوطء في رمضان، والأيمان، وجعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكاكًا لمعتقه من النّار، ولأنّ فيه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرِّق وملك نفسه ومنافعه وتكميل أحكام، وتمكنه من التصرف في نفسه ومنافعه، على حسب إرادته واختياره، وإعتاق الرجل أفضل من إعتاق المرأة.
انظر: "المجموع" (١٦/ ٥١١ - ٥١٤)، "مجموع الفتاوى" (٣١/ ٣٧٦).