للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنه لا ينكح إلاَّ بإذن سيده، وهو مالك الأمة فهو لا ينتفع بهذا النسب بمنفعة دنيوية قطٌّ لما عرفت، ولا ينتفع به أيضًا بمنفعة دينية، لأن المنافع الدينية إنما تكتسب بالأعمال، وإن كان غاية ما تحصلُ له من المنفعة بإثبات نسبِ أبيه له هو أن يقالَ له هذا ابن فلانٍ، فليس في هذا من النفع شيء، مع أنه هذا يقال له عبدُ فلان، فلا يقوم الرفع بالرق ولا الرفع بالوضع.

فعرفت من مجموع ما ذكرنا التنافض (١) بين قولهم إنه يلحقُ بأمِّه في العبودية، وبأبيه في النسب، وهكذا الأقوال التي لا تنبني على دليل، ولا على رأي مستقيم تكون مضطربةً متناقضةً يدفع بعضُها بعضًا، ويردُّ بعضُها بعضًا.


(١) نجد الشوكاني يخالف ما قاله ابن تيمية وغيره من العلماء.
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٣١/ ٣٧٦): سئل رحمه الله عن رجل قرشي، تزوج بجارية مملوكة، فأولدها ولدًا، هل يكون الولد حرًّا أم يكون عبدًا مملوكًا؟.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، إذا تزوج الرجل المرأة، وعلم أنّها مملوكة، فإن ولدها منه مملوك لسيدها باتفاق الأئمة فإن الولد يتبع أباه في النسب والولاء، ويتبع أمه في الحرية والرق.
ثم قال في "مجموع الفتاوى" (٣١/ ٣٨٣): وأما إذا تزوج العربي مملوكة فنكاح الحر للمملوكة لا يجوز إلا بشرطين: خوف العنت، وعدم الطول إلى نكاح الحرة، في مذهب مالك والشافعي وأحمد.
وعلَّلوا ذلك بأن تزوجه يفضي إلى استرقاق ولده، فلا يجوز للحر العربي ولا العجمي أن يتزوج مملوكة إلا لضرورة، وإذا تزوجها للضرورة كان ولده مملوكًا، وأما أبو حنيفة فالمانع أن تكون تحته حرة وهو يفرق في الاسترقاق بين العربي وغيره.
وأما إذا وطئ الأمة بزنا فإن ولدها مملوك لسيدها بالاتفاق، وإن كان أبو عربيًّا، لأن النسب غير لاحق. وأما إذا وطئها بنكاح وهو يعتقدها حرة، أو استبرأها فوطئها يظنها مملوكته، فهنا ولده حر، سواء كان عربيًّا أو عجميًّا. وهذا يسمى "المغرور" فولد المغرور من النكاح أو البيع حر، لاعتقاده أنه وطئ زوجة حرة، أو مملوكته وعليه الفداء لسيد الأمة كما قضت بذلك الصحابة، لأن فوت سيد الأمة ملكهم، فكان عليه الضمان، وفي ذلك تفريغ ونزاع ليس هذا موضعه. والله أعلم".
وانظر: "المغني" (١٤/ ٥٨٩ - ٥٩٥).