للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ {(١)، ولما ثبت من الدعاء للميِّت عند الزيارة، كما في الصحيح (٢) وغيرِه (٣)، فقد كان رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يعلِّمُ الصحابَة أن يقولوا عند زيادة القبور: "السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكمُ العافية"، وقد حكى النوويُّ (٤) الإجماع على وصول الدعاء إلى الميت، وكذا حكى الإجماع على أن الصدقة تقعُ عن الميت ويصلُه ثوابُها، ولم يقيِّد ذلك بالولد، وكذلك حكى الإجماعَ (٥) على لحوق قضاء الدَّيْنِ، ويدلُّ عليه حديثُ: من تبرَّع عن الميت المديونِ الذي امتنع النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ من الصلاة عليه، فقال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "الآن بردتْ عليه جِلْدَتُهُ" (٦)، وهو حديث معروفٌ.

ومنها جميعُ أنواع البِرِّ من الولد، لحديث "وَلَدُ الإنسانِ من سَعْيهِ" (٧).

والحاصلُ أن كلَّ عمل من قول، أو فعل ورد في الشريعة المطهرة أنه يجزئ فعلُه من قريب أو غيرِه، بوصية أو غيرها، فهو مخصِّصٌ لعموم الآية الكريمة، ومخصصٌ لعموم حديث: "إذا مات الإنسانُ انقطعَ عملُه إلاَّ من ثلاث ..... " (٨)، فمن وجدَ من الأدلة غيرَ ما ذكرناه في هذه الورقات فليُلحِقه بها، ويجعله من جملة المخصِّصاتِ لتلك العمومات إذا خرج من مخرج معمول به، وأما ما لم يرد فيه دليلٌ يخصُّه، فالحقُّ أنه باق تحت عموم:} وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى & (٩) ونحوِها، وتحت عموم حديث: "إذا مات الإنسان انقطع عملُه" (١٠) وهذا [٣أ] هو الحقُّ الذي لا ينبغي العدولُ عنه، وبه يحصلُ الجمعُ بين الأدلة.

ومن قال بعدم اللحوقِ مطلقًا مستدلاً بالآية الكريمة، كالمعتزلةِ (١١) فقد أهمل هذه المخصَّصات الصحيحة المقبولة.

وكذلك مَنْ قال: إنه يلحقُ كلُّ عمل من كل شخص كما قال في شرح الكنز: أنَّ للإنسان أن يجعلَ ثواب عمله لغيره، صلاةً كان أو صومًا، أو حجًّا، أو صدقة، أو قراءة قرآن، أو غيرَ ذلك، من جميع أنواع البِرِّ، ويصلُ ذلك إلى الميت، وينفعُه عند أهل السنة انتهى.

فقد أهمل العمومات، وخصَّصها بغير مخصِّص، فإنْ قال: إنه خصَّصَ ذلك بالقياس، ولا يخفى أن القياس في أكثر هذه المخصَّصات لا يصح، كقياس الأجنبي على القريب (١٢)، وغير الولد على الولد، وغير الدعاء على الدعاء، والمشهور من مذهب الشافعيّ، وجماعة من أصحابه أنّه لا يصل إلى الميت ثوابُ قراءة القرآن، وذهب أحمدُ بن حنبلٍ، وجماعةٌ من العلماء، وجماعةٌ من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل. كذا ذكره النووي في الأذكار (١٣)، وفي شرح المنهاج لابن النحوي لا يصل إلى الميت عندنا ثوابُ القراءة على المشهور، والمختارُ الوصولُ إذا شاء إيصال ثواب قراءته، كذا قال علة


(١) [الحشر: ١٠].
(٢) "صحيح مسلم" رقم (١٠٤/ ٩٧٥).
(٣) كأحمد في "المسند" (٥/ ٣٥٣، ٣٦٠) والنسائي (٤/ ٩٤ رقم ٢٠٤٠) وابن ماجه رقم (١٥٤٧) والبغوي في "شرح السنة" رقم (١٥٥٥) من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه.
وهو حديث صحيح.
(٤) في "المجموع" (٥/ ٢٩٤).
(٥) انظر "المجموع" (٥/ ١٠٩ - ١١٠)
(٦) أخرجه أحمد (٣/ ٣٣٠) والطيالسي رقم (١٦٧٣) والبيهقي (٦/ ٧٥) والبزار رقم (١٣٣٤) من حديث جابر بن عبد الله وسنده حسن.
(٧) تقدم تخريجه.
(٨) تقدم تخريجه.
(٩) [النجم: ٣٩].
(١٠) تقدم تخريجه.
(١١) تقدم التعريف بها.
(١٢) تقدم ذكره.
(١٣) (ص٢٧٨).