للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الشريعة المطهَّرة، وهذا إنما فيمن فعلَ ذلك صحيحًا من غير فرقٍ بين أوائل عُمْرِهِ، أو أوسَطِهِ، أو آخرِه، فإن بشيرًا الذي هو سبب الحديث المذكور جاء بولده إلى رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يحملُه على ظهره كما ورد في بعض الروايات، وإذا لم يكن في هذه الحالة ـ في حال الصحة ـ، فلا أدري ما هي الصحة، ولا فرق بين ما كان قاصدًا للتوليج والضِّرار، وبين من لم يكن قاصدًا لذلك، فإن من ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يُنَزَّلُ منزلَة العموم في المقال كما تقرر [٦أ] في الأصول (١)، ولم يثبت أن النبيّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قال له: هل قصدت الضِّرار؟ هل أردت التوليج؟ بل أرشدَه إلى ما أرشد، وخوَّفه وحذَّره وهدَّده، وسمَّى ذلك جورًا تارةً، وغير حقٍّ أخرى وغير صحيح تارةً، وغير صالح أخرى، وأمرَه بالارتجاع تارةً، وبالردّ أخرى، فهذا حكمٌ شرعيٌّ شرعه لنا من شرَعَ لنا الصلاةَ والزكاةَ، وجاءنا به مَنْ جاءنا بأركان الإسلام، ومن زعم أنه مخصِّصٌ بشيء من المخصِّصات، أو مقيَّدٌ بشيء من القيود فهذا مقام الإفادة والاستفادة، ومن زعم أن له رخصةً عن العمل بالأدلة الأثنى عشر التي أسلفناها فالرخصة له في ترك سائر الأحكام الشرعية أظهرُ، فإن غالبَ المسائل ثبتت بقياس (٢) متنازع فيه، أو استصحاب (٣) أو ..............................


(١) انظر "إرشاد الفحول" (ص٤٥٢)، "المحصول" (٢/ ٣٨٦ - ٣٨٧).
(٢) تقدم تعريفه.
(٣) الاستصحاب لغة: استفعال من الصحبة وهي الملازمة.
قال في "المصباح المنير" (ص١٢٧): "وكل شيء لازم شيئًا فقد استصحبه واستصحب الكتاب وغيره. حملته صحبني. ومن هنا قيل: استصحب الحال إذا تمسكت بما كان ثابتًا، كأنك جعلت تلك الحالة مصاحبة غير مفارقة.
الاستصحاب اصطلاحًا:
قال العضد: الاستصحاب: أن الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه وكل ما هو كذلك فهو مظنون البقاء. "شرح العضد لمختصر" ابن الحاجب
(٢/ ٢٨٤). وقال الغزالي في " المستصفى" (٢/ ٤١٠): الاستصحاب عبارة عن التمسك بدليل عقلي أو شرعي وليس راجعًا إلى عدم العلم بالدليل، بل إلى دليل مع العلم بانتفاء المغير ـ أو مع ظن انتفاء المغير ـ عند بذل الجهد في البحث والطلب.
-واختلفوا هل هو حجةً عند عدم الدليل على أقوال:
الأول: أنه حجة وبه قالت الحنابلةُ والمالكية وأكثر الشافعية والظاهرية سواء كان في النفي أو الإثبات.
الثاني: أنّه ليس بحجة وإليه ذهب أكثر الحنفية والمتكلمين كأبي الحسن البصري.
والاستصحاب عند الأصوليين أنواع انظرها في "إرشاد الفحول" (ص٧٧٣)، "الكوكب المنير" (٤/ ٤٠٣).