للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولادكم في العطية" (١)؛ فإنه أمرٌ، والأمر قد تقدم معناه الحقيقيُّ، وهذا دليل عاشرٌ على البطلان.

ومن ذلك قولُه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث السابق: "فإنّ هذا لا يصلُحُ" فلا يخفى أن هذا نفيٌ للصلاحيةِ الشرعيةِ، وما ليس بصالحٍ شرعًا فهو باطلٌ، وهذا الدليل الحادي عشرَ على البطلان.

ومن ذلك قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "أيسرُّك أن يكون في البِرّ لك سواءٌ" (٢)؛ فإن هذا إرشادٌ منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ إلى التفضيلَ بين الأولاد سببٌ للعقوق، والعقوقُ من أكبر الكبائر (٣)، فما كان سببًا له من أبطل الباطلاتِ، وأحرِم المحرِّماتِ، وهذا الدليل الثاني عَشَرَ على البطلان.

فهذه اثنا عشر دليلاً مأخوذةٌ من قول رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في هذا الحديث الذي اتفق على أصله جميعُ المسلمين، ولم يقدحْ فيه قادحٌ، ولا تكلَّم عليه متكلّمٌ، ولا زاعمٌ بأنه منسوخٌ، بل اتفقوا كلهم على وجوب العمل به، وإنما اختلفوا في تفسيره، وها نحن قد شرحناه [٥ب] شرحًا ما أظن أحدًا من أهل الإنصاف العارفينَ بكيفية الاستدلال، المطّلعين على العربية والأصول يخالف في ذلك، بل ما أظن أحدًا ممن هو قاصرٌ عن هذه الرتبة يلتبسُ عليه صحةُ ما ذكرناه، وجَرْيُهُ على قانون الإنصاف وتَنكُّبُهُ عن مسالك الاعتساف، وكل واحد من هذه الأدلة يدلُّك على أن تخصيص الرجل لبعض أولاده دون بعض بشيء من مالِه باطلٌ يجبُ على من وقَفَ عليه تغييرُهُ وردُّه


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر "فتح الباري" (٥/ ٢١٥): حيث قال: وفي الحديث أيضًا الندب إلى التأليف بين الأخوة، وترك ما يوقع بينهم الشحناء أو يورث العقوق للآباء.