للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرَ ذلك، وهذا دليل سابع على البطلان.

ومن ذلك قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث السابق: "اعدُلوا بين أولادكم، اعدُلوا بين أولادكم" (١)؛ فإنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ كرَّر هذه الصيغة المتضمنَة للأمر، وهذا التكرارُ يفيدُ التأكيدَ، وقد تقرر في الأصول أن الأمر الصيغة المتضمنة للأمر، وهذا التكرار يفيد التأكيد، وقد تقرر في الأصول أن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضدِّه (٢)، والنَّهيُ عن الشيء يستلزمُ الفساد المرادف للبطلان (٣)، وكل هذا معروف في الأصول، وهذا هو الدليل الثامن على البطلان.

ومن ذلك قولُه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "أَشْهِد عليه غيري" (٤) فلا يخفى ما في هذه الصيغة من التهديد المشعِرِ بأن هذا الأمر ليس مما يسوغ عنده ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ، ولهذا قال محمد بن منصور المراديُّ حافظُ آل محمد في الجامع: أنه ليس المرادُ من قوله: "أشهدْ عليه غيري" الأمرَ له بالشهادة، وإنما هو أمرُ تهديد على سبيل الإنكار، نحو قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (٥) انتهى. فعرفتَ أن هذا اللفظ دليلٌ على بطلان ذلك، وهذا هو الدليل [أ٥] التاسعُ على البطلان.

ومن ذلك قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث السابق: "ساووا بين


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر الرسالة رقم (٦٦).
(٣) تقدم ذكره.
وانظر: "الكوكب المنير" (١/ ٤٧٤).
(٤) قال الحافظ في "الفتح" (٥/ ٢١٥): ردًّا على ـ من قال: أنقوله: "أشهد على ذلك غيري" إذن بالإشهاد على ذلك ـ فليس كذلك بل هو للتوضيح لما يدل عليه بقية ألفاظ الحديث وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع. وقال ابن حبان: قوله: "أشهِد" صيغة أمر المراد به نفي الجواز وهو كقوله لعائشة: "اشترطي لهم الولاء".
(٥) [فصلت: ٤٠].
انظر: "إرشاد الفحول" (ص٣٤٨).