للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآله وسلم ـ أن يقول لكلِّ مَنْ فعل هذا الفعل: "أرجِعْهُ" فإن كان متمكِّنًا من الإرجاع وجب عليه الامتثالُ، فإن لم يفعلْ أكرهْنَاه على ذلك، وإن كان قد مات أرجعناه وأبطلناه، وهذا دليلٌ خامسٌ على البطلان (١).

ومن ذلك قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث السابق: "اتقوا الله واعدُلوا بين أولادكم" فانظر كيف قدَّم الأمرَ بتقوى الله، ثم عطفَ على ذلك الأمر بالعدل، فظاهره أنَّ مَنْ لم يعدِل بين أولادِه لم يتق الله، وقد أفاد الأمرُ، وهو قوله: "واعدُلوا بين أولادكم" (٢) الوجوبَ، لأنَّه المعنى الحقيقيّ، وأفاد جَعْلَهُ مقترِنًا بالتقوى زيادةَ التأكيد، ومن فعلَ فِعلاً يخالفُ به أمر رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ، ويخرج به عن التقوى فقد جاء بما يخالِفُ الشريعة المطهرة، ويُضادُّها. وقد قال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "كل أمرٍ ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ" (٣) وهذا أمرٌ ليس عليه أمرُ رسول الله، فهو ردٌّ على صاحبه، وذلك معنى البطلان، وهذا دليل سادسٌ على البطلان.

ومن ذلك قولُ النعمان في الحديث السابق: "فرجعَ [٤ب] أبي في تلك الصدقة" فإن هذا يدلُّ على أنه امتثل ما فهمه من رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ من عدم جوازِ ذلك، وهو صاحب القصةِ، وعربيُّ اللسان والفهم، فهو أولى مِنْ فَهْمِ مَنْ فَهِمَ


(١) قال الحافظ في "الفتح" (٥/ ٢١٤): "أن قوله "أرجعه" دليل على الصحة، ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع، وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده وغن كان الأفضل خلاف ذلك، لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به.
قال الحافظ ابن حجر ردًا على ذلك: وفي الاحتجاج بذلك نظرًا والذي يظهر أن معنى قوله "أرجعه" أي لا تمض الهبة المذكورة، ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة.
(٢) تقدم تخريجه".
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٦٩٧) ومسلم رقم (١٨/ ١٧١٨) وأبو داود رقم (٤٦٠٦) وابن ماجه رقم (١٤).