للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واضحةً لا تخفى.

ومن ذلك قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث السابق [٣ب]: "إني لا أشهدُ إلاَّ على حقّ" فمعناه: أن هذا غيرُ حقّ، يعني تلك النِّحلَة، ولو كانت حقًّا لشهدَ عليها، وما كان غيرَ حقّ فهو باطلٌ، فتلك النِّحلة باطلةٌ، وما أظنُّه يلتبسُ على من له أدنى فَهْمٍ أن مرادَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ بهذا الحصرِ التعريضُ ببطلانِ تلك النِّحلةِ، وهذا هو الدليلُ الثاني على أن تخصيصَ بعض الأولاد في حال الصحة بشيء باطلٌ غيرُ موافقٍ للشريعةِ المطهَّرة.

ومن ذلك قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث السابق: "لا تُشْهِدْني على جَوْرٍ"؛ فإنَّه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ صرَّح بأن ما فعله بشيرٌ من تخصيص ولدِهِ النعمان في حال صحته جَوْرٌ، والجورُ باطلٌ بنصوصِ الشريعة الكلية والجزئية، وهذا دليلٌ ثالثٌ على البُطلان.

ومن ذلك قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث السابق: "إن لبنيكَ عليك من الحقّ أن تعدِل بينَهم" فجعل ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ العدلَ بين الأولاد حقًّا لهم على أبيهم، وإذا كان ذلك حقًّا فهو واجبٌ عليه، وإذا وقعَ منه خلافُ ذلك كان الواجبُ علينا إيصال أولادِه بمالِهم من الحقِّ عليه أبيهم، وإبطالَ ما فعلَه مخالِفًا للحق الذي صرَّح به الصادقُ المصدوقُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ. وهذا دليلٌ رابعٌ على البطلان.

ومن ذلك قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث السابق: "فأرجعْهُ" فهذا أمرٌ منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ لبشير بإرجاع ما قد كان نَحَلَه ولدَهُ [٤أ]، ولا شك أن الأمرَ بالإرجاع يدلُّ على أن ما فعله غيرُ صحيحٍ، ولو كان صحيحًا لما أمره بإرجاعه، وهذا دليلٌ (١) قاهرٌ لا يحتاج إلى تقريرٍ، بل قد أرشدنا الشارع ـ صلى الله عليه


(١) انظر "فتح الباري" (٥/ ٢١١ - ٢١٢)