للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو أنثى (١).

وقالت طائفةٌ: إنَّ تركَ التسويةِ مكروهٌ [٣أ] فقط (٢).

وها نحن نوضِّح لك ما هو الحقَّ الذي يرضاه كلُّ واقف عليه من أهل العلم فنقول:

اعلم أن الراويات السابقة التي سُقناها قدِ اشتملتْ على ألفاظٍ إذا نظرتَ في معانيها ظهرَ لك الحقُّ ظهورًا بيِّنًا.

فمن ذلك قولُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث الأول: "فليس يَصِحُّ هذا"؛ فإن هذا فيه التصريحُ منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ بنفي الصِّحَّة الشرعية، وما لم يصحّ فليس من هذه الشريعة، بل هو باطل ردٌّ على صاحبه. وقد تقرر في الأصول أنَّ الصِّحَّة هي ترتُّبُ الآثار (٣) وإذا انتفت الصِّحَّةُ انتفت الآثارُ، والآثارُ في مثل تمليك الابن لذلك الغلامِ هي أن ينتفعَ به من صار في ملكِه بالبيع والاستخدام ويغر ذلك من الآثار، فلما قال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "ليس يصحُّ هذا" فكأنه قال: هذا لا تترتَّبُ عليه الآثارُ، فلا ينتفعُ به مَن صار إليه بأي وجهٍ، وإذا انتفتِ الآثار انتفى المُلْكُ، فكان الغلامُ باقيًا على ملك مالكه، وهو الأبُ.

وهذا تحريرٌ لا ينكره مَنْ يعرِفُ عِلْمَ الأصولِ، وأصولُ أئمَّتنا مصرِّحةٌ بهذا، ومن أنكر ذلك فعليه بغايةِ السُول (٤) وشرحِها، والمعيارِ وشروحِه. وإذا تقرر هذا فقوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "فليس يصحُّ هذا" قد أفاد بطلانَ ذلك التمليكِ إفادةً


(١) انظر "فتح الباري" (٥/ ٢١٤ - ٢١٥)، "المغني" (٨/ ٢٥٨).
(٢) انظر "فتح الباري" (٥/ ٢١٤ - ٢١٥)، "المغني" (٨/ ٢٥٨).
(٣) قال صاحب "الكوب المنير" (١/ ٤٦٨): فبصحة عقد يترتب أثره من التمكن من التصرف فيها هو له. كالبيع إذا صحَّ العقد ترتب أثره من ملكٍ، وجواز التصرف فيه من هبةٍ ووقفٍ وأكل ولبسٍ وانتفاع وغيره ذلك، وكذا إذا صحَّ عقدُ النكاح والإجارة والوقف وغيرها من العقود، ترتب عليها أثرها مما أباحه الشرع له به فينشأ ذلك عن العقد.
وانظر: "تيسير التحرير" (٢/ ٢٣٨)، "نهاية السول" (١/ ١٩٩).
(٤) (١/ ١٩٩).