للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشريف في الحديث، في هذه الديار، وهذه الأعصارِ، ولِيَعْلَمَ الواقفُ على هذا البحث أن الحديث متفقٌ عليه بين طوائف المسلمين، وأنه لم يُخْتَلَفْ فيه وإنما اختُلفَ في تفسيره كما قاله الإمام أحمد بنُ سليمان في كلامه السابق، وقاله غيرُهُ، وحينئذٍ فالواجبُ على العالم الذي يعلمُ أنه مسئولٌ عمَّا يقول أن يجعل هذه الحُجَّة الثابتة عن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ باتفاق المسلمين نُصْبَ عينيهِ في قضائه وإفتائه وعملِه في خُوَيْصة نفسه، ثم ينظر في تفسيرها على الوجه المطابق للُغَةِ العربِ، ولقواعد الأصولِ، حتى يترجَّح له أحدُ القولينِ، فإنَّ العلماء أجمعَ أكتعَ لم يقل أحدٌ منهم بأن تركَ التسويةِ جائزٌ من غير كراهةٍ، بل قالت طائفة منهم بالتحريم (١)، وأن من أعطى أحدَ أولاده عطيَّةً دونَ الآخرين فهي باطلةٌ مردودةٌ (٢)، من غير فرق بين أن يكون الذي أعطاهُ بارًّا أو غير بارٍّ، وقالت طائفة أخرى: إن ترك التسوية حرامٌ إلاَّ أن يكون الذي وقع له التخصيصُ بالعطيَّةِ بارًّا، أو عاجزًا، .....................................


(١) قال ابن قدامة في "المغني" (٨/ ٢٥٧) بعد ذكر حديث النعمان وهو دليلٌ على التحريم لأنَّه سمَّاه جَورًا، وأمر بردِّه، وامتنع من الشهادة عليه، والجور حرام والأمرُ يقتضي الوجوب، ولأنَّ تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه. كتوازج المراة على عمتها أو خالتها.
قال القرطبي في "المفهم" (٤/ ٥٨٦): أنَّه لا يجوز أنْ يخصَّ بعض ولد بعطاءٍ ابتداءً، وهل ذلك على جهة التحريم، أو الكراهة؟ قولان لأهل العلم. وإلى التحريم ذهب طاووس، ومجاهد، والثوريّ وأحمد وإسحاق وأنّ ذلك يُفسخ إن وقع.
وذهب الجمهور: مالك في المشهور عنه والشافعيُّ وأبو حنيفة وغيرهم: إلى أنَّ ذلك لا يُفسخ إذا وقع.
وقد حكى ابن المنذر عن مالك وغيره جواز ذلك ولو إعطاه ماله كله.
(٢) قال ابن قدامة في "المغني" (٨/ ٢٥٦) وجملة ذلك أنَّه يجب على الإنسان التَّسوية بين أولاده في العطية، إذا لم يختصّ أحدهم بمعنى يبيح التفضيل. فإن خصّ بعضهم بعطيّته، أو فاضل بينهم فيها أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين، إمّا ردُّ ما فضلّ به البعض، وإمّا نصيب الآخر.
قال طاووس: لا يجوز ذلك، ولا رغيفٌ محترقٌ وبه قال ابن المبارك.