للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسلم (١)، وكقولهم: إن قولَه: "أشهِدْ على هذا غيري"، أذنَ به بالإشهاد (٢)، وهذا فاسدٌ، فإنه كما تقدم تهديدٌ بدليل قوله: "لا أشهدُ على جَوْرٍ"، وقوله: "إني لا أشهدُ إلاَّ على حقّ"، وكذلك سائر ما ذكروه مما هو أضعفُ من هذا (٣)، وقد أوضحت فسادَ ذلك جميعَه في الشرح المذكور.

نعم استدلّ بعضُ العلماء على الجواز مع الكراهة للبارّ بقوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (٤) وهذا استدلالٌ لا يقعُ مثلُه لمتيقِّظٍ، فإنه عارضَ الدليل [٧أ] الخاصّ، وهو التسويةُ بين الأولاد بالدليل العام، ولم يقنع بذلك حتى رجَّحه عليه، وقدِ اتَّفق أهلُ الأصول أجمعُ أكتعُ أنه يُبنى العامّ على الخاص، فهذا الاستدلال مخالفٌ لإجماع أئمتنا وسائر المسلمين أجمعين.

واستدل بعضُهم على جواز نِحْلَةِ البارّ مع كراهةٍ بما روي من نِحْلَةِ بعضِ الصحابة لبعض أولادهم دون بعض (٥)، وهذا أيضًا مدفوعٌ من وجوه:


(١) رقم (١٣/ ١٦٢٣).
(٢) قال القرطبي في "المفهم" (٤/ ٥٨٧) ليس إذنًا في الشهادة وإنّما هو زجرٌ عنها، لأنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سمّاه جورًا وامتنع الشهادة فيه، فلا يمكن أن يشهد أحدٌ من المسلمين في ذلك بوجه.
وانظر: "المغني" (٨/ ٢٥٧).
(٣) انظر "فتح الباري" (٥/ ٢١٤ - ٢١٥).
(٤) [الرحمن: ٦٠].
(٥) قال الحافظ في "الفتح" (٥/ ٢١٥): " ... عمل الخليفتين أبي بكر وعمر بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب".
- أما أبو بكر فرواه مالك في "الموطأ" بإسناد صحيح عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته، "إني كنت نحلتك فلو كنت اخترتيه لكان لك، وإنما هو اليوم للوارث".
- وأما عمر فذكر الطحاوي وغيره أنَّه نحل ابنه عاصم دون سائر ولده قال ابن حجر: "وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن إخوتها كانوا راضين بذلك ويجاب بمثلها عن قصة عمر".
أخرج الأثرين البيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ١٧٨).
وانظر: "الحاوي الكبير" (٦/ ٤١٢) و"المغني" (٨/ ٢٥٩).