للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فلا] (١) يخلو من ضَعف حتى قال إسحاقُ بنُ راهويَه (٢): سمعت عبد الله بن إدريس الكوفيّ يقول: "قلت لأهل الكوفةِ: يا أهل الكوفة: .. إنما حديثكم الذي تحدّثونه في النبيذ عن العُميان والعُوران، أين أنتم من أبناء المهاجرين والأنصار؟! ".

وأيضًا هذه الأحاديث لا تدل على مطلوبهم، فإن كسر النبيذ لا يتعيّن أن يكون لأجل الشدة المستلزمة للسُّكر، فإنه قد يكون الكسرُ لاشتداد الحلاوة أو الحموضة، ومع الاحتمال لا تنتهض للاستدال غللا فرض تجرّدهِ عن المُعارِض فكيف إذا كان ذلك الضعيفُ معارضًا بالأحاديث الصحيحة الكثيرة والقاضية بأن ما أسكر كثيرهُ فقليلُه حرامٌ، كما تقدم! فإذا كان الكثيرُ من الزعفران والجَوزِ الهنديِّ ونوعٌ من القات يبلُغ بمُستعمِله إلى السُكر حرم عليه قليله كما يحرم عليه كثيره، وإذا كان يؤثر ذلك التأثير مع بعض المستعملين له دون البعض الآخر كان التحريم مختصًا بمن يحصل معه ذلك الأثر دون من عداه (٣).

فإن قيل: إن هذه الأمور المذكورة إنما يحصل بها التفتيرُ دون السكر، فيقال: إن بلغ هذا التفتير إلى حد السُكر كما يحصل من أكل الحشيش [وشربها] (٤) فلا نزاع في أن ذلك من المحرمات وإن لم يبلغ إلى ذلك الحدِّ، بل مجرّد التفتير فقد ورد ما يدل على تحريم كلّ مفتّر، فأخرج أبو داود (٥) عن أم سلمة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه


(١) في (أ) ولا.
(٢) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٣٠٦).
(٣) قال الحافظ في "فتح الباري" (١٠/ ٤٠ - ٤١):
"قال البيهقي حمل هذه الأشربة على أنهم خشوا أن تتغير فتشتد فجوزوا صب الماء فيها ليمتنع الاشتداد، أولى من حملها على أنها كانت بلغت حد الإسكار، فكان صب الماء عليها لذلك لأن مزجها باملاء لا يمنع إسكارها إذا كانت قد بلغت حد الإسكار. ويحتمل أن يكون صب الماء كون ذلك الشراب كان حِمض ... ".
(٤) في (ب) شرابها.
(٥) في "السنن" رقم (٣٦٨٦) وهو حديث ضعيف.