للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثياب ويسميه الناسُ ذهبًا ليس بذهب، بل هو فضة كما يعرفُ ذلك من يعرفُهُ، بل كل ذهبٍ يجعلُه الإنسان على بدَنِه كالطوقِ والسوارِ ونحوِها والحلقةِ ونحوِها يقال له في لغة العرب حليةً (١)، وكذا ما يجعلُه على سلاحِه. فإن كان المقدّر هو واحدٌ فينبغي أن يكون هو التحلِّي، وإن كان المقدر عامًّا فينبغي أن لا يشملَ ما عُلم بالضرورة أنه حلالٌ من المنافع.

وعلى كل حال فالتَّحلي هو أظهرُ ما يقدَّر إن لم يكن هو المقدَّر وحدَه، وأما الأكلُ والشربُ في آنية الذهب فقد ثبت تحريمُه بدليل على أنه لا يمتنعَ أن يُقدَّرا كما قدِّر التحلِّي فيقال: الذهبُ حرامٌ على الذكور أن يتحلَّوا به، أو يأكلوا أو يشربوا في آنيته.

فإن قلتَ: فقد أخرج أحمدُ (٢) والنَّسائيّ (٣) من حديث معاوية قال: "نهى رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ عن ركوب النمارِ، وعن لُبْسِ الذهب إلاّض مُقَطَّعًا".

قلتُ: يمكنُ أنْ يرادَ باللُّبس هنا معناه الأعمُّ، أعني المخالطةَ والملابسةَ، ومثلُه ما أخرجه أبو داود (٤) من حديث المقدامِ بن معدي كربَ، وفيه النَّهيُ عن لبس الذهب والحرير، على أنَّه لو فُرِضَ أنه يمكن لُبْسُهُ غيرُهُ من الثياب لم يكن ذلك مانعًا من تقديره كما يُقدَّرُ التحلِّي (٥).


(١) انظر "النهاية" (١/ ٤٣٥).
(٢) في "المسند" (٤/ ٩٥).
(٣) في "السنن" (٧/ ١٧٦ - ١٧٧). وهو حديث صحيح.
(٤) في "السنن" (٤١٣١) وهو حديث صحيح.
(٥) قال العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" شرك كتاب "المهذب" كاملاً
(٢/ ٥٣٦). مسألة: [حرمة الذهب على الرجال]: ويحرم على الرجل استعمال قليل الذهب وكثيره، لما روى عليٌّ رضي الله عنه: "أنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبْس القسيِّ، وعن لبس المزعفر، وعن التختم بالذهب".
وهو حديث صحيح.
ويجوز للرجل أن يتخذ خاتمًا من فضة، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان له خاتم من فضة فصّها منها، وكان يجعل فصّها إلى راحته".
أخرجه البخاري رقم (٥٨٧٠) ومسلم رقم (٦٢/ ٢٠٩٤) ...
- قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (١/ ٦٠٢ - ٦٠٣) ركوب النمار وفي رواية "النمور" وكلاهما جمع نمر بفتح النون وكسر الميم ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم وهو سبع أخبث وأجرى من الأسد وهو منقط الجلد نقط سود ـ وفيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه، وإنما نهى عن استعماله جلوده لما فيه من الزينة والخيلاء ولأنه زي العجم وعموم النهي شامل للمذكى وغيره.
قوله: وعن (لبس الذهب إلا مقطعًا) لا بد فيه من تقيد القطع بالقدر المعفوّ عنه لا بما فوقه. جمعًا بين الأحاديث. قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود: والمراد بالنهي الذهب الكثير لا المقطع قطعًا يسيرة منه تجعل حلقة، أو قرطًا أو خاتمًا للنساء أو في سيف الرجل، وكره الكثير منه الذي هو عادة أهل السرف والخيلاء والتكبر ".