للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النهي المخالفين له في حقِّه، وحق الأمَّة، أو دليلاً على الجواز في جانب الفعل والتّرك.

إذا تقرر هذا فاعلم أنّه لم يكن في دخوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يوم الفتح بسيف عليه ذهبٌ وفضة ما يدلُّ على التأسِّي به في ذلك، فلا يكون مخالفًا للأحاديث الدالّة على تحريم التحلّي بالذهب. لا يقالُ: إن أدلة التاسِّي العامّة كقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (١)، وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} (٢) وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٣) ونحو ذلك، لأنا نقول: إن أدلة تحريم التحلِّي بالذهب على الأمة أخصُّ مطلقًا من أدلة التأسِّي العامّة، فتكون مخصِّصة بها. وقد صرح بهذا أهلُ الأصول.

فإن قلت: أبِنْ لي ما زعمتَه من عدم المعارضة بين حديث تحلية سيفه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ بالذهب، وبين بعض الأحاديث التي سردتَها في تحريم الذهب، وكيفية التخصيص في البعض الآخر.

قلتُ: أما الحديث المذكورُ في الوجه الأول فلا معارضة، لأنّه مصرِّحٌ بأن التحريم على ذكور أمَّته ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ، وهو ليس من ذكور أمَّتهِ، إذ المضافُ غيرُ المضاف إليه، والأمَّةُ هم المؤتمونَ به، المتابعون، وهو الإمام المتبوع والإمام غير المأموم، والتابعُ غيرُ المتبوع.

وأم الحديثان المذكوران [٥أ] في آخر الوجه الثاني، وهما المشارُ إليهما في الوجه الثامن فليس فيهما إلاَّ مُطْلَقُ النَّهي، فإن كان المخاطِبُ (٤) غيرَ داخلٍ في الخطاب فلا


(١) [الأحزاب: ٢١].
(٢) [آل عمران: ٣١].
(٣) [الحشر: ٧].
(٤) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص٤٤٦ - ٤٤٧): بعد أن ذكر الاختلاف في هذه المسألة.
- ذهب الجمهور إلى أنه يدخل ولا يخرج عنه إلا بدليل يُخصِّصه.
- وقال أكثر أصحاب الشافعية إنه لا يدخل إلا بدليل.
- قال ابن برهان في "الأوسط": ذهب معظم العلماء إلى أن الأمر لا يدخل تحت الخطاب ونقل القاضي عبد الجبار وغيره من المعتزلة دخوله.
وخالف ابن برهان في نقله عن معظم العلماء الرازي في "المحصول" (٢/ ٣٧٩) وابن الحاجب في "مختصر المنتهى" (٢/ ١٢٧) ... ".
قال الشوكاني: والذي ينبغي اعتماده أن يقال إن كان مراد القائل بدخوله في خطابه أن ما وضع للمخاطب يشمل المتكلّم وضعًا فليس كذلك، وإن كان المراد أن يشمله حكمًا فمسلّم إذا دل عليه دليلٌ وكان الوضع شاملاً له كألفاظ العموم.
وانظر: "البحر المحيط" (٣/ ١٩٢)، "نهاية السول" (٢/ ٨٢).