للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أما كونها منسوخة فلأن تصريح أكابر الأئمة بالنسخ كابن عبد البر (١) لا يكون إلا لدليل علمه يسوغ عنده الجزم بالنسخ، أقل الأحوال أن يكون قد علم أن أحاديث التحليل متأخرة عن أحاديث التحريم.

وأما كونها مرجوحة فلما عرفناك سابقًا، وقد أمكن التأويل بما قدمنا ذكره.

ومن أعظم الأدلة الدالة على ترجيح أحاديث التحليل ما روي من أنه قد قام الإجماع على ذلك. قال الإمام المهدي في البحر (٢): فصل: وللنساء لبس الحلية على أنواعها، والحرير، وعن قوم منعهن من الحرير، وهو خلاف الإجماع. وقال في شرح الأثمار (٣): تنبيه: أما الإناث فلا خلاف يعتد به في جواز الحلي والحرير ونحوه لهن مطلقًا، وما ورد من الأحاديث في نهيهن من التحلي بالذهب فمحمول على أنه خلاف الأولى، أو أنه منسوخ جمعًا بين الأخبار، انتهى.

وعندي أنه لا وجه لحملها على خلاف الأولى مع تصريح أحاديث النهي بأن ذلك يوجب النار، نحو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " سوارين من نار، طوق من نار، قرطين من نار، قلادة من نار، سلسلة من نار " فإن ما كان خلاف الأولى لا يوجب عذابًا كما تقرر في الأصول، بل الواجب هاهنا المصير [٦أ] إلى القول بالنسخ لما تقدم، أو المصير إلى التأويل؛ لدلالة حديث عمرو بن شعيب المتقدم في أول هذا البحث في حديث المرأة وابنتها على ذلك، أو المصير إلى التعارض البحت على تسليم عدم إمكان التأويل، وحينئذ يتحتم ترجيح أحاديث التحليل على أحاديث التحريم؛ لكثرتها ولكونها صريحة في الحل، وللإجماع على العمل بها وترك ما عارضها، وللإجماع أيضًا على تحليل الحرير للنساء، وهو قرين الذهب في تلك الأحاديث.


(١) في " الاستذكار " (٩/ ٧٥).
(٢) (٤/ ٣٦٥).
(٣) تقدم تعريفه.