فإن قلت: هل يمكن الجمع بغير ما تقدم؟ وذلك بأن يقال: إن الأحاديث القاضية بالحل تصرف إلى حل اللبس فقط بقرينة تحليل الذهب مع تحليل الحرير، والحرير لا يكون إلا ملبوسًا، ولا يكون حلية، وتكون الأحاديث القاضية بمنع التحلي بالذهب مقصورة على ما تضمنته من تحريم التحلي به، وحينئذ يمكن الجمع فيمتنع المصير إلى الترجيح.
قلت: الذهب لا يكون ملبوسًا قط، ولا يمكن نسجه، بل لا يكون إلا حلية، أو آنية، أو سبائك، أو دنانير، وما يظن أنه ذاهب في المنسوج من الثياب فهو غلط، بل هو فضة يقينًا [٦ب]، ومن لم يتيقن هذا فليأخذ قطعة من الثياب المخلوطة بما يظنه ذهبًا ويلقيها في النار، فإنه سيجد ذلك فضة لا ذهبًا، وهذا يعلمه كل من له خبرة بذلك.
وإذا تقرر هذا علم منه أن أحاديث تحليل الذهب للنساء لا يراد منها إلا تحليل التحلي به فقط، فيحصل حينئذ التعارض الواضح على فرض عدم صحة دعوى النسخ، وعدم صحة التأويل، ويجب الرجوع إلى الترجيح، وأحاديث التحليل أرجح بما تقدم.
فإن قلت: هل يصح أن يقال: إن أحاديث التحليل عامة، والأحاديث الواردة في المنع خاصة بما وردت فيه؟ فإن حديث أسماء بنت يزيد ليس فيه إلا ذكر القلادة والخرص، وحديث أبي هريرة ليس فيه إلا ذكر السوارين والطوق والقرطين، وحديث ثوبان ليس فيه إلا ذكر الفتخ والسلسلة، فيكون المحرم من حلية الذهب إنما هو هذه الأمور فقط، ويحل ما عداها من أنواع حلية الذهب، وهي كثيرة عملاً بالخاص فيما نتناوله والعام فيما بقي، كما هي القاعدة المقررة في الأصول في العام والخاص.
قلت: لا يصح هذا لأمرين:
الأول: أن هذه الأنواع المذكورة في هذه الأحاديث يصدق عليها أنها حلية، وأنها ذهب، ولا فرق بين حلية وحلية، وبين ذهب وذهب، فلا يظهر للتخصيص وجه حكمه، وأي فرق بين ما تضعه المرأة على يدها وهو مسمى باسم السوار، وبين ما تضعه على يدها أيضًا، وهو مسمى باسم آخر، وهكذا لا فرق بين ما تضعه على