للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وآله وسلم - للأحمر بعد حجة الوداع، ولم يلبث بعدها إلا أيامًا يسيرة.

وقد زعم ابن القيم (١) أن الحلة الحمراء التي لبسها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمراء مع الأسود، وغلط من قال: إنها كانت حمراء بحتًا، قال: وهي معروفة بهذا الاسم. ولا يخفاك أن ما تقدم من الصحابة وصفوا ذلك الملبوس بالحمرة، وهم من أهل اللسان، والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت؛ لأن إطلاق لفظ الأحمر أو الحمراء على ما بعضه أحمر دون بعض مجاز لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب، فإن أراد أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك، وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها فالحقائق الشرعية لا تثبت بمجرد الدعوى، والواجب حمل ما قاله ذلك الصحابي على لغة العرب؛ لأنها لسانه ولسان قومه إلا أن يكتب بالنقل اصطلاح للشارع بخلاف الوضع اللغوي وجب حمل ما أطلق من ألفاظه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وألفاظ أصحابه عليه، كما تقرر في الأصول (٢) أنها تقدم الحقيقة الشرعية فالعرفية فاللغوية، فإن ابن القيم (٣) إنما فسرها بذلك التفسير؛ للجمع بين الأدلة، فمع كون كلامه يأبى ذلك لتصريحه بتغليط من قال: إنها الحمراء البحت لا ملجئ إليه لإمكان الجمع بدونه كما سيأتي، مع أن حمله الحلة الحمراء على ما ذكر ينافي ما احتج به [٨] في أثناء كلامه من إنكاره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - على القوم الذين رأى على رواحلهم أكسية فيها خطوط حمر (٤) كما سلف، وفيه دليل على كراهة ما كان فيه خطوط حمر، فلم ينفعه ذلك التفسير الذي فسر به الحلة؛ لاعترافه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أنكر على أولئك القوم ما فيه خطوط حمر، ولكنه لا يليق لمنصف الجزم بتحليل الثوب


(١) في " زاد المعاد " (١/ ١٣٢).
(٢) انظر تفصيل ذلك:
" إرشاد الفحول " (ص١٠٧ - ١١٢) " البحر المحيط " (٢/ ١٥٨ - ١٥٩) " المحصول " (١/ ٢٩٨).
(٣) في " زاد المعاد " (١/ ١٣٢).
(٤) تقدم تخريجه.