للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله وحده فقد طوى بساط الشريعة بعد عصر الرسالة، وخالف جميع أهل الملة الإسلامية من لدن الصحابة إلى الآن، فإنهم متفقون على وجوب الإجابة إلى الشريعة، متقيدون بأحكامها قولاً وفعلاً واعتقادًا، فإن قال من قصر وجوب الإجابة على أيام النبوة إلى رسول الله وحده إنه قائم مقام المنع وطالب للدليل، فهذا الإجماع الذي نقلناه يكفي في الجواب عليه، على أن في الكتاب العزيز، وفي السنة المطهرة من الأدلة المصرحة بوجوب الإجابة لما شرعه الله في محكم كتابه وعلى لسان رسوله ما لا يأتي عليه الحصر. ولا فائدة في إيراد شيء من ذلك؛ لأن هذا الأمر هو المقصد الأهم، والغرض الأقدم من الدعوة المحمدية، بل من دعوة جميع الرسل، ولا يظن بمسلم أن يخالف في ذلك، ولو فرضنا وجوده فرضًا اختراعيًا لكان هو المطالب بالدليل؛ لأنه يزعم أن بساط الشريعة قد طوي بعد أيام النبوة [١ب]، وارتفع تعبد الأمة بها.

فيقال له: ما الدليل على ذلك مع كونه [. . . . .] (١) الضرورة الدينية؟ فإن خص ذلك بمسائل الخصومة دون غيرها وقال: لا تجب إجابة دعوة الخصم لخصمه إلى الشريعة بعد عصر النبوة مع تسليمه أن الأمة متعبدة بهذه الشريعة المطهرة قبل مضي عصر النبوة، فيقال له: ما الفرق بين مسائل الصلاة والصيام مثلاً، وبين مسائل البيع والهبة والنذر حتى بقي التعبد بالمسائل الأولى دون المسائل الثانية؟ فإن قال: لا فرق كما هو الظن بكل مسلم، فيقال له: إذا اختلف المسلمان في شيء من المعاملات الشرعية، فقال أحدهما: الحق بيده، وقابله الآخر بمثل دعواه، فما الحيلة في رفع ما بينهما من الاختلاف؟ هذا على فرض عدم الدعوة من أحدهما لخصمه إلى الشريعة المطهرة، فكيف إذا دعاه إليها، وهذا التقدير إنما هو مقدمة لما يأتي في غضون هذه الأبحاث؛ إذ النزاع لم يتعلق به في الظاهر، وإن استلزمه كلام المعترض - عافاه الله - كما سيأتي بيانه.

وإذا تقرر وجوب إجابة الطالب لخصمه إلى الشريعة المطهرة بالضرورة الدينية. فلا


(١) كلمة غير واضحة في المخطوط.