يحكم بما أنزله الله واجبة لديكم أم لا؟ إن قلتم: واجبة، وليست المناقشة [٤ب] منكم إلا في مجرد دلالة الآيتين المذكورتين على ذلك فالخطب يسير، والوفاق كائن، وأنتم تقولون بما أقوله، وتوجبون ما أوجبه، إما بعين دليلي، أو بدليل آخر، وحينئذ لا يضرني تسليم ما أوردتم، ولا ينفعكم؛ لأن تقرير المسألة بدليلها في الجملة اتفقنا عليه، ولم يبق الكلام إلا في مجرد تطبيق دليلي على ذلك المدلول المتفق على صحته، وأمره سهل؛ لأن المطلوب قد حصل بالموافقة، وليس من شرط حصول المطلوب أن يكون بدليل خاص، بل المعتبر وجود دليله في الجملة، وهو لازم للوجود المتفق عليه.
وإن قلتم: إن الإجابة إلى حاكم يحكم بما أنزل الله بعد عصر النبوة غير واجبة، لزمكم طي بساط الشريعة، وارتفاع التعبد بها، وعدم لزوم حكمها لجميع الأمة بعد موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. واللازم باطل بالإجماع؛ فالملزوم مثله. أما الملازمة فبيانها أنه إذا لم يجب على المطلوب من الخصمين الإجابة لطالبه إلى حاكم من حكام الشريعة، عند أن يطلب ذلك منه، وهو ظالم له في شيء من الحقوق المالية أو البدنية، ولا يمكن رفع الظلامة وكشفها إلا بالتخاصم إلى الحاكم المذكور، فقد وقعت التخلية بين الظالم والمظلوم، وعدم الإنكار عليه، والأخذ على يده، وهو في نفسه استمر على مخالفة قطعي من قطعيات الشريعة، وتمرد على الله وعلى شريعته، وعلى الحاملين للحجة الشرعية والمبينين لها، الذين أخذ الله عليهم الميثاق في البيان في محكم كتابه، وأما بطلان اللازم فبإجماع المسلمين، وبالضرورة الدينية إما بيان كون ذلك إجماع المسلمين، فغير خافٍ على من له أدنى انتماء إلى الشريعة؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - بعد موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قاتلوا الممتنعين من تسليم الزكاة، وأقاموا الحدود، وجاهدوا الكفار، وألزموا الناس القيام بجميع الواجبات الشرعية، وحالوا بينهم وبين المحرمات الدينية، وأنصفوا المظلوم من الظالم، ونصبوا الحكام، وأوجبوا على الناس الإجابة إليهم، وامتثال أحكامهم، والوقوف على الحدود التي يرسمونها من الشريعة لهم. ثم فعل ذلك التابعون وتابعوهم، ومن بعدهم إلى هذه الغاية، ولو قال قائل في أي عصر