للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول: أن آية النور وما قبلها من قوله تعالى: {إذا دعوا إلى الله ورسوله} (١) الآيات نزلت في المنافق واليهودي حين اختصما إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وليس الدعاء إلى غير رسول الله للحكم كالدعاء إليه؛ للفرق الذي لا يخفى على أحد، ولا يقال: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (٢)؛ لأنه يقال: عموم اللفظ مسلم في المؤمنين الذين دعوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ليحكم بينهم، فيكون العموم من نفس اللفظ في من دعى إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ولا يختص بمن كان سببًا في نزول الآية.

وأما العموم في الحاكم المدعو إليه فمشكل؛ لعدم شمول لفظ الرسول لغيره من الأمة. وقد قال الزمخشري في كشافه (٣) في تفسير قوله تعالى: {إذا دعوا إلى الله ورسوله} ما لفظه: معنى: إلى الله وإلى رسوله: إلى رسول الله، كقولك: أعجبني زيد وكرمه، تريد كرم زيد. . . إلخ.

أقول: نورد عليه - كثر الله فوائده - قبل الكلام على كلامه هذا سؤال الاستفسار.

فنقول: هل إجابة من دعا إلى حاكم من حكام الشريعة المطهرة بعد عصر النبوة ليحكم بينهم بما أنزل الله، وهو في بلد المتخاصمين أو خارج عنها، ولا حاكم فيها (٤)


(١) [النور: ٥١].
(٢) انظر " إرشاد الفحول " (ص٤٥٤)، " البحر المحيط " (٣/ ١٩٨).
(٣) (٤/ ٣١٣).
(٤) قال ابن قدامة في " المغني " (١٤/ ٥ - ٦): والقضاء من فروض الكفايات؛ لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه، فكان واجبًا عليهم، كالجهاد والإمامة، قال أحمد: لا بد للناس من حاكم، وإلا أتذهب حقوق الناس؟! وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحق فيه؛ ولذلك جعل الله فيه أجرًا مع الخطأ وأسقط عنه حكم الخطأ، ولأن فيه أمرًا بالمعروف ونصرة المظلوم، وأداء الحق إلى مستحقه، ورد للظالم عن ظلمه، وإصلاحًا بين الناس، وتخليصًا لبعضهم من بعض، وذلك من أبواب القرب؛ ولذلك تولاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأنبياء من قبله، فكانوا يحكمون أممهم، وبعث عليًا إلى اليمن قاضيًا، وبعث أيضًا معاذًا قاضيًا.