للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغرماء والشهود مرجح له على غيره، لكثرة ملابسته لهم، ومعرفة مبطلهم من محقهم، ومعرفة المواضع المتشاجر فيها، إلى غير ذلك من تسهيل الأمر عليهم، وعدم تكليفهم للغرامات التي تشق عليهم، وتضييعهم لمن يعولون.

أقول: هذا المرجح لا شك فيه باعتبار إذا كان الشهود في محل الخصمين، أو كان الشجار في شيء من الدور أو العقار يحتاج إلى المشاهدة، وكذلك للاختبار بحال الخصمين مزيد خصوصية في ظهور المحق من المبطل، وفي تخفيف الأمر عليهما. ولهذا ذكرنا في الجواب السابق أن طلب أحد الخصمين لخصمه الذي في جهته الخروج إلى حاكم في غير تلك الجهة ليس فيه إلا مجرد إتعاب ومشقة إذا كان الحاكم في الجهة من المتأهلين للحكم بما أنزل الله في كتابه، وعلى لسان رسوله، ولكن هذا المرجح إنما هو باعتبار الأمور التي ذكرها - كثر الله فوائده - وذكرنا.

وأما باعتبار [١٧ب] حكم الله في تلك الحادثة فالمرجح هو التوسع في علم الشريعة.

وإنا قد قدمنا أن من كان أكثر علمًا كان أبصر بالحق، وأقمنا على ذلك البراهين التي مرجعها إلى الوجدان والتجريب والاستقراء. ومن المرجحات أيضًا كثرة الورع، والتعفف عن الحطام، وتأثير الحق حيث كان، وتقديم الأدلة الشرعية على اجتهادات المجتهدين، وعدم التعصب لمذهب من المذاهب، أو عالم من العلماء، فهذه هي المرجحات بالنسبة إلى حكم الله تعالى في تلك الحادثة. وإذا عارضتها تلك المرجحات التي هي بالنسبة إلى حال الخصمين والشهود فهذه أرجح منها، لأن الحاكم ليس عليه إلا النظر في الدليل الشرعي، والموازنة بين المتعارضات من النصوص والظواهر وترجيح الراجح منها عند تعذر الجمع، وهو لا يجد عن هذه المرجحات بالنسبة إلى حكم الله بدلا ولا عوضًا، بخلاف المرجحات بالنسبة إلى حال الخصمين والشهود والمكان المتنازع فيه، فإنه يتمكن من معرفة ذلك بسؤال العارفين بأحوال الخصمين، وبطلب المعدل والخارج بالنسبة إلى الشهود، ويبعث العدول بالنسبة إلى المكان المتنازع فيه. وأما ما يلزم الغرماء من الغرامات فإن كان منها شيء للقاضي فليس هو القاضي الذي نحن بصدد الموازنة بينه