السائل - عافاه الله - على جوابي الأول ليعلم أن ما أورده في جواب الجواب لم يصدر عن تدبر.
وإذا تقرر هذا فكيف يقول هاهنا أن الجواب لم يفد في حل ما أشكل، وهو قد أفاده مرة بعد مرة، فعليه - أدام الله فوائده - أن يتدبر سؤاله، ثم جوابي الأول عليه، ثم ما حرره وحررناه بعد ذلك، هذا إذا كان مراده بالأبحاث المسددة مضمون السؤال وما يتعلق به، وإن كان مراده بها ما أورده على جوابي من عدم انطباق دلالة الدليل على المدلول فقد أوضحته إيضاحًا يفهمه كل فاهم، ويعرفه كل عارف.
فإن قال: هذا [١ب] الذي تزعمه واضحًا لم يتضح لي، فنقول: كان ينبغي أن يطلب - عافاه الله - زيادة الإيضاح، ويدع ما جزم به من عدم الإفادة بادي بدء، اللهم إلا أن يريد أن نفي الإفادة لم يكن باعتبار الواقع، ولا باعتبار أصل الكلام، ولا بالنسبة إلى كل المستفيدين، بل بالنظر إلى من يحتاج إلى زيادة الإيضاح، وتكرير التصوير، وتكميل التمثيل، فسيأتي في ذلك ما يفيد السائل - كثر الله فوائده - بهذا الاعتبار، ومن هذه الحيثية.
قوله - كثر الله فوائده -: ولا يخفى المجيب أن ملخص الجواب الذي أجبنا به عليه ... إلخ.
أقول: الجواب الذي وصل إلينا مشتمل على أطراف ثلاثة:
الطرف الأول: قال السائل فيه ما لفظه: فلا يثبت هذا الحكم لغير رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلا بالقياس، وللمانع إبداء الفارق، انتهى.
وهذا الكلام مصرح باختصاص ذلك برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وعدم إلحاق غيره به في ذلك، إلا بمجرد القياس الممنوع بإبداء الفارق الموجب له طلاق الإلحاق فكانت المؤاخذة منا على هذه العبارة التي يفهم مضمونها كل ناظر فيها مع أنا لا نظن به أن يكون قائلا بذلك، بل هو بمكان مكين من العدل والدين. وقد أشرنا إلى هذا في " الأبحاث البديعة " ولكنا أوردنا على الكلام ما يحتمله كما جرت بذلك قاعدة المتناظرين