للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: ليس ذلك تقريرًا لمجرد العموم، بل هو تقرير للشمول التام والإحاطة، وقد صرحت بهذا في الأبحاث البديعة، بل صرح به السائل - عافاه الله - في كلامه هذا الذي نقلناه عنه، ولعله لم يخطر ببال السائل - عافاه الله - عند تحرير هذا الكلام ما في التلخيص حيث قال: واستغراق المفرد أشمل بدليل صحة: لا رجال في الدار، إذا كان فيها رجل أو رجلان دون لا رجل، انتهى. وقد شرحه السعد في المطول بشرح طويل.

فالمراد بقولنا: وانهدام الجمعية ومصير الصيغة جنسية (١) شاملة محيطة الإشارة إلى هذا المعنى، فإن الجمع لو لم ينهدم لم يكن محيطًا بل يكون عمومه متناولا للجموع لا لكل فرد فرد. وقد أحلت السائل في الجواب الأول على علم المعاني، ولكنه لم يتدبر الكلام كما ينبغي، وبادر بالاعتراض [٣أ] قبل التأمل فإنه لو فهم مدلول قولي: شاملة محيطة لم تحتج إلى تحرير هذا الاعتراض. وقد ذكر أهل العلم أن المعترض غير معذور إذا كان للكلام المعترض عليه وجه صحة، فكيف يعذر إذا كان الكلام مشتملا على ما يدفع الاعتراض اشتمالا في غاية الوضوح والجلاء!.

قوله - كثر الله فوائده -: قال الله تعالى بعد تلك الآيات في آخر السورة: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} (٢) ... إلخ.

أقول: محل النزاع هو الدعاء الكائن من بعض الأمة لبعض إلى الرسول ليحكم بينهم بالشريعة، كما يدل عليه قوله تعالى: {وإذا دعوا إلى الله} وقوله: {حتى يحكموك}. وأما دعاء الرسول فهو شيء آخر سواء كان ذلك من باب إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى المفعول.

قوله - عافاه الله - ومن امتنع عن الإجابة إلى حاكم كامل الشروط بالإجماع لم يكفر


(١) انظر " معترك الأقران في إعجاز القرآن " (٢/ ٥٦ - ٥٧).
انظر: " البحر المحيط " (٣/ ٩٣)، " اللمع " (ص١٥).
(٢) [النور: ٦٣].