للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالحكم [٧أ] بما هو المعتقد لأهل بلده أتم قيام، فليت شعري كيف جرى قلمه - عافاه الله - بمثل هذا! وكيف نفق على ذهنه السليم، وفكره القويم! فإن هذا كلام لا تقبله أذهان أهل الجمود من المقلدين، لأن كل واحد منهم يعلم أن القاضي المستجمع للشروط المذكورة في الأزهار (١) هو القاضي على الحقيقة، وأن بلوغه إلى درجة الاجتهاد يمنعه من التقليد، بل قد عرفوا هذا وهم في المكتب، فإن أول ما يفتق أذهانهم بعد كتاب الله أن التقليد جائز لغير المجتهد، لا له. ولو وقف على نص أعلم منه.

وقد نقل أئمة الأصول الإجماع على أن المجتهد بعد اجتهاده ممنوع من التقليد، لا جرم: " بدأ الدين غريبًا، وسيعود إلى غربته " (٢) وجرى أقلام أهل العلم بمثل هذا الكلام من الغربة ومن علامات القيامة، ومن مصير المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا.

ومن هاهنا تتفرق السبل، وتتفاوت الأقدام، وتتباين المراتب، وتتخالف القرائح. فدع عنك نهبًا صيح في حجراته.

قوله - كثر الله فوائده -: وأما نقل الإجماع فلم يكن في الذهن ... إلخ.

أقول: قد ذكرت لكم أنه في كتابه الذي سماه بالقواعد فطالعوه حتى يرتسم ذلك في الذهن، وكيف يستبعدون ذلك - وقد روى هذا الإجماع جماعة من الأئمة المشهورين -! كما نقلنا ذلك عنهم في " القول المفيد في حكم التقليد " (٣).

قوله: وهو أجل من أن ينقل ما أجمعت الأمة، أو أهل البيت على خلافه.

أقول: عليه - أبقاه الله - أن يبحث ولا يرد الكلام بمجرد الاستبعاد، فإن حكايته هاهنا لإجماع الأمة أو إجماع أهل البيت من الغرائب، ولو نظر في مختصر من مختصرات


(١) (٣/ ٤٣٩ - مع السيل).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٣٢/ ١٤٥) وابن ماجه رقم (٣٩٨٦) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: " بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء ". وهو حديث صحيح.
(٣) الرسالة رقم (٦٠).