صححته بخطي لما أهمله الناسخ. ولفظ كلامي هكذا: ولا يحل له أن يقوم مقام الإرشاد والمعياد في شيء لم يبلغ إليه دليله مع وجود من هو أعلم منه بالشريعة في عصره وقطره ... إلى آخر ما ذكرته. وهذا صواب، فإن من لم يكن عنده إلا محض الرأي لا يحل له أن يدبر الأمة به، مع وجود من يقوم بتدبيرهم بالدليل في عصره وقطره، فلا يلزم من هذا الكلام ما ألزم به - أبقاه الله -.
قوله - عافاه الله -: وهم إنما يترافعون إلى الحاكم ليحكم بينهم بمذهب من قلدوه ... إلخ.
أقول: نصب الحكام لم يشرعه الشارع لقطع الخصومات بما يوافق إعراض أهلها، بل ليحكم بينهم بالشريعة المطهرة الواردة عن الله وعن رسوله، ويقطع خصوماتهم بحكم الله سبحانه، ويدبرهم بما دبرهم الله به. ولو كانت مطابقة مقاصد المتحاكمين، وموافقة أغراضهم ومراداتهم من عمل القضاة لكان الحق الذي يريده الله من العباد دائرًا مع مذاهب الخصوم، فالخصمان إذا كانا من الخوارج، أو الروافض، أو سائر أهل البدع لا يريدان إلا الحكم بمذهبهما، وما لهذا شرع الله نصب حكام الشريعة، ولا بهذا أمرهم، وأن هذا هو الجمود البحت، والتقليد المحض، وعنه تلزم اللوازم التي قدمها السائل - عافاه الله - قبل هذا الكلام من سد باب الاجتهاد ونحو ذلك، فإن كان يريد بهذا الكلام أمرًا خاصًا وهو مطابقة أغراض مقلدة هذه الديار دون غيرهم فمع كون ذلك تخصيصًا بغير مخصص، وتقييدًا لكلامه بما لا يصلح لتقييده فليعلم - أبقاه الله - أن من مذهبهم الذي يعرفونه ويجدونه في المختصرات كالأزهار (١) ونحوه أن القاضي لا يكون إلا مجتهدًا، ومعلوم قطعًا أن صاحب الأزهار وغيره لا مقصد لهم بكون القاضي مجتهدًا إلا أن تكون أحكامه صادرة عن اجتهاده لا أن يكون واقفًا مع المقلدين، بل مع العامة من المتشاجرين، ولو كان هذا مرادًا لكان ذلك الاشتراط ضائعًا، لأن المقلد يقوم