للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجواب بمعونة الله وفضله: أما ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده - من جعل أجرة السجان وأعوان الحكام على من عليه الحق مع نص أهل الفروع على أنها من مال المصالح، أو من ذوي الحق، لا ممن عليه الحق. فأقول: اعلم أن الذي ينبغي اعتماده في هذا هو أن المسجون ومن احتاج إلى أعوان الحاكم لا يخلو إما أن يكون قد تقرر عليه حق للغير يجب عليه التخلص منه كالدين ونحوه، فامتنع مع تمكنه من ذلك بوجه من الوجوه، وعدم وجود عذر شرعي له كالإعسار الشرعي، فمن كان هكذا فما لزم للسجان والأعوان فهو عليه من ماله، ولا يحل أخذه من خصمه، ولا من مال المصالح، أما كونه لا يحل أخذه من خصمه فظاهر، لأنه مظلوم، وقد رفع مظلمته إلى شرع الله، فوجب على القاضي أن يوصله إلى ما طلبه من الحق، ويدفع عنه الظلم بإلزام خصمه الظالم له بتسليم ما ظلمه فيه، فإذا ألزمه بشيء من أجرة السجان والأعوان فقد ظلمه إلا أن يقتضي الحال، وتوجب الضرورة ذلك، كمن يطالب غريمًا له في القصاص وكان المقتص منه فقيرًا، ولم يكن في الوجود مال مصالح من خراج، ومعاملة، وجزية، وفضلة سهم سبيل الله، أو كان ولكنه بأيدي قوم يتغلبون عليه، وكان هذا المطلوب بالقصاص لا يمكن استيفاء ذلك منه إلا بإرسال الأعوان عليه، وحفظه في السجن، وكان الأعوان والسجان لا يفعلون ذلك إلا بأجرة، فهذا الطالب للقصاص قد صار لا يمكن من استيفاء ما أوجبه الله له إلا بتسليم ما يعتاد لأولئك من أجرة، وعلى القاضي أن يوضح له ذلك، ويقول له: إما رضيت لنفسك بهذا الذي لا يمكن الوصول إلى حقك إلا به أو تركت.

وأما كونه لا يحل أخذ أجرة السجان والأعوان من مال المصالح حيث كان ممن عليه الحق متمكنًا منه، ممتنعًا من تسليمه بعد الحكم عليه فلعدم الوجه المسوغ لذلك، فإن مصرف مال المصالح هو المصالح، وهذا الرجل الممتنع من تسليم ما عليه بعد حكم الشرع قد صار جانيًا على نفسه، ووجب علينا استخلاص الحق منه، والأخذ على يديه [١ب]، حتى يتخلص من الحق الذي عليه، ولما كان هذا الاستخلاص، ودفع