للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا الراجح عندي أن الأصل في جميع الحيوانات الحل، ولا يحرم شيء منها إلا بدليل يخصه، كذا الناب من السباع (١)، والمخلب من الطير، والكلب والخنزير (٢)، وسائر ما ورد فيه دليل يدل على تحريمه.

إذا تقرر لك هذا علمت أن هذه الشجرة التي يسميها بعض الناس التنباك، وبعضهم (التتن) لم يأت فيها دليل يدل على تحريمها، وليست من جنس المسكرات، ولا من السموم، ولا من جنس ما يضر آجلاً أو عاجلاً، فمن زعم أنها حرام فعليه الدليل، ولا يفيد مجرد القال والقيل. وقد استدل بعض أهل العلم على حرمتها بقوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} (٣) وأدرج هذه الشجرة تحت الخبائث بمسلك من مسالك العلة المدونة في الأصول. وقد غلط في ذلك غلطًا بينًا؛ فإن كون هذه الشجرة [٢٠] من الخبائث هو محل النزاع (٤)، فالاستدلال بالآية الكريمة على ذلك فيه شوب


(١) اخرج مسلم في " صحيحه " رقم (١٦/ ١٩٣٤) من حديث ابن عباس قال " نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ".
(٢) قال تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} [المائدة: ٣].
(٣) [الأعراف: ١٥٧].
(٤) وبما أن علماء الطب والتحليل تبين لهم أن الدخان مضر بالجسم الإنساني ويقضي على سعادة الإنسان وهنائه.
انظر: " التدخين بين المؤيدين والمعارضين " د. هاني عرموش (ص٢٩ - ٧٦).
قال ابن حزم في " المحلى " (٦/ ١١١): " وأما أكل ما يستضر به من طين أو إكثار من الماء أو الخبز. فحرام ... وأما أكل ما أضر فهو حرام
قال النووي في " روضة الطالبين " (٣/ ٢٨١): كل ما ضر، كالزجاج، والحجر والسم يحرم ... ".
قال الشيخ محمود شلتوت في " الفتاوى " (ص٣٥٤): ومن هنا نعلم أخذًا من معرفتنا الوثيقة بآثار التبغ السيئة في الصحة والمال، أنه مما يمقته الشرع ويكرهه. وحكم الإسلام على الشيء بالحرمة أو الكراهة لا يتوقف على وجود نص خاص بذلك الشيء، فعلل الأحكام، وقواعد التشريع العامة، قيمتها في معرفة الأحكام. وبهذه العلل وتلك القواعد كان الإسلام ذا أهلية قوية في إعطاء كل شيء يستحدثه الناس حكمه في حل أو حرمة، وذلك عن طريق معرفة الخصائص والآثار الغالبة للشيء، فحيث كان الضرر كان الخطر، وحيث خلص النفع أو غلب كانت الإباحة، وإذا استوى النفع والضرر كانت الوقاية خيرا من العلاج ".
انظر: " التدخين. مادته وحكمه في الإسلام " للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.