للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هي أنه طلب منه تلك اليمين، وهو يعلم أنها لا تجب عليه لبراءة ذمته من الحق الذي ادعاه عليه، وأنه ما يريد بطلب هذه اليمين منه إلا مجرد الإعنات له بتلك الدعوى الباطلة فقد صار ذلك المدعى عليه بإنشاء هذه الدعوى مدعيًا، وصار المدعي بعدها مدعى عليه، وحينئذٍ فتلزمه [٣أ] تلك اليمين بعموم (على المدعي البينة، وعلى المنكر اليمين)؛ فإن منكر كون طلبه لليمين من خصمه لمجرد الإعنات له قد صار بهذا الإنكار مندرجًا تحت: على المنكر اليمين، فكما أنه يستدل بهذا العموم على كل خصومة من الخصومات الحادثة بين المختصمين في الدماء والأموال والأعراض والحقوق، لا مانع من أن يستدل به على هذه الدعوى الناشئة ممن توجهت عليه اليمين الأصلية من أن المدعى عليه إنما أراد التعنت له، والإتعاب بطلبه لتلك اليمين، لأنه إذا أقر بذلك لم يلزم تلك اليمين الأصلية، وارتفع عن المطلوب بها ما كان قد توجه عليه من الحلف، وإن لم يقو بذلك، بل أنكر. كان من جملة من يصدق عليه أنه منكر وعلى المنكر اليمين، ومعلوم أن هذا التركيب أعني قوله: " على المدعي البينة، وعلى المنكر اليمين " عام يشمل كل من يصدق عليه أنه مدع، وأنه منكر لما تفيده تحليته باللام الجنسية مع تقديم الخبر على المبتدأ، فهو في قوة: كل مدع كائنًا من كان عليه البينة، وكل منكر كائنًا من كان عليه اليمين. ولا فرق بين خصومة وخصومة.

وبهذا التقرير تعلم أن مجرد الاستدلال بهذا الدليل يكفي القائل بلزوم يمين العنت، ومن ادعى تخصيصها من هذا العموم كان عليه الإتيان بدليل يقتضي التخصيص. ومجرد الاصطلاح بكونها مسماة بهذا الاسم الخاص لا يخرجها عن كونها يمينًا مطلوبة من منكر، لأن الأحكام الشرعية لا تتعلق بمجرد الاسم بل بما هو الحقيقة لذلك الشيء، كما أن مثلاً: الخمر لو سميت اصطلاحًا باسم الماء، أو نحو ذلك من الأسماء لم يخرج به عن كونها خمرًا محرمة إذا وجدت فيه العلة المقتضية للتحريم، وهي الإسكار. كذلك هاهنا فإنها قد وجدت الدعوى ووجد الإسكار فصارت تلك اليمين يمينًا على منكر، فاندرج ذلك تحت قوله: " وعلى المنكر اليمين " ولا تخرج [٣ب] هذه اليمين عن كونها يمينًا