للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: الدليل على هذا الصنع ظاهر الوجه، واضح الغرة، بين المستند. وبيان ذلك أن تلك اليمين المطلوبة هي حق ثابت للمدعي ثبوتًا منصوصًا عليه بالأدلة الصحيحة، مجمعًا عليه عند جميع أهل الإسلام.

فإذا قال المدعي (١) أنا أطلب يمين خصمي هذا المنكر لحقي كانت إجابته إلى هذا حقًا ثابتًا، لازمًا متعنتًا بالنص والإجماع، فإن أجاب إلى اليمين كان الحاكم المترافع إليه أن يقول للمدعي: هذا خصمك المنكر لما تدعي عليه قد أجابك إلى ما هو الواجب عليه، فإن لم يكن لك بينة فليس لك إلا هذا.

فإن قال: [٤أ] لا بينة له فليس له إلا تلك اليمين من خصمه، وإن كانت له بينة ألزمه الحاكم بإيرادها لحديث: " شاهداك أو يمينه " (٢) كما ثبت من حديث الأشعث بن قيس، وكما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث وائل بن حجر قال: جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " ألك بينة؟ " قال: لا، قال: " فلك يمينه "، فقال يا رسول الله، الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء، قال: " ليس لك منه إلا ذلك " الحديث، فعلى الحاكم أن يقول للخصمين كهذه المقالة النبوية، فإذا قال المدعي: أريد اليمين فهو أراد الحق الذي أثبته له الشرع، فليس لنا أن نقول له: ليس لك ذلك، بل عليك أن تذهب فتأتي بالبينة، فإن هذا هو قلب للشريعة. ولكن على الحاكم أن يبين للمدعي أن خصمه إذا حلف فقد انقطع الحق بيمينه، ولا بينة بعد ذلك، فإن صمم على اليمين أجابه إلى ذلك، فإن ترك خصمه حتى يتهيأ لليمين ويبذلها فقال: لي بينة فإجابته إلى


(١) انظر التعليقة السابقة.
(٢) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.