للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك واجبة، لأن خصمه لم يكن قد حلف حتى ينقطع الحق بيمينه، فالحاكم إذا صنع هذا فما صنع إلا ما هو محض الشريعة الغراء. فلو قال للمدعي بعد أن طلب اليمين وتهيأ لها المنكر فقال عند ذلك: له بينة، وقال: بينة موجودة، وخصمي لم يحلف، فقال الحاكم قد قضي الأمر، وجف القلم، وانقطع الحق. وليس لك إلا ما قد طلبته من اليمين التي لم يكن قد نطق المنكر بحرف منها لكان هذا الحكم بالأحكام القراقوشية (١) أشبه منه بالأحكام الطاغوتية، فضلاً عن الأحكام الشرعية. على أن هاهنا دقيقة لطيفة هي: أن المدعي قد يعلم أن خصمه المنكر قد يتورع عن اليمين إما خوفًا من الله - عز وجل -، أو من العقوبة الدنيوية، فإذا ترك طلبها منه حتى يبذلها ويتهيأ لها أتبعه بتحصيل البينة [٤ب]، وفتح له بعد ذلك أبواب الجرح والتعديل، وأطال ذيل الخصومة بغير حق. ومعلوم أن مثل هذا ليس من الشريعة السمحة السهلة الواضحة التي ليلها كنهارها، فإذا لم يجبه الحاكم إلى ذلك فقد ظلمه ظلمًا بينًا، وتسبب لأحد أمرين: إما


(١) قراقوش: هو قراقوش بن عبد الله الأسدي أبو سعيد بهاء الدين أمير نشأ في خدمة السلطان صلاح الدين الأيوبي، وناب عنه في الديار المصرية كان همامًا مولعًا بالعمران، بنى السور المحيط بالقاهرة وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام. توفي سنة ٥٩٧هـ بالقاهرة تنسب إليه أحكام عجيبة في ولايته، قال ابن خلكان: الظاهر أنها موضوعة فإن صلاح الدين كان يعتمد عليه في أحوال المملكة.
(وقره قوش) كلمة تركية معناها " العقاب " الطائر المعروف وبه سمي الإنسان لشهامته وشجاعته واللفظ مكون من كلمتين هما (قرة) بمعنى أسود (وقوش) بمعنى طائر أو نسر.
" الأعلام " للزركلي (٥/ ١٩٣)، " النجوم الزاهرة " (٦/ ١٧٦).
قال ابن كثير في " البداية والنهاية " (٢/ ٣٣٧ - ٣٣٨) " كان الأمير بهاء الدين قراقوش عالمًا فقيهًا - إلا أنه كرس نفسه للخدمة الإدارية العسكرية ".
وكانت حياته حافلة بالإنجازات العظيمة والبطولات والإخلاص للإسلام والمسلمين خلال ملازمته القائد صلاح الدين الأيوبي وكذلك بعد وفاته، مما جعله محط كيد الحاسدين وأعداء الإسلام والمسلمين.