للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يشهد له دليل، ولا سلك من سبل الحق في سبيل.

الموطن الثاني: تسويغ الضرارات في المواريث التي تولى الله - سبحانه - في كتابه تقسيطها بين أهلها، وتوزيعها بين مستحقيها، فإذا جبن الحاكم عن الصدع بالحق في هذين الموطنين فالموت خير له من الحياة، لأنه يتسبب عن ذلك مفاسد ومخالفات لأدلة الكتاب والسنة يصعب حصرها، وتتعسر الإحاطة بها، وما عدا هذين الموطنين فهو دونهما في الصعوبة. ولا يعجز عن توجيه الحق فيه ولو بذريعة من ذرائع التوصل إلى الحق إلا من عجز وضعف، ومن كان كذلك فليس بأهل للدخول في هذا المنصب. ولهذا علل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- النهي لأبي ذر - رضي الله عنه- عن تولي الإمارة بضعفه عن القيام بها كما ثبت ذلك في الصحيح (١).

السؤال السابع: حاصله الاستنكار على من يحكم بالرأي (٢) مع وجود الدليل من الكتاب والسنة.

وأقول: هذا لا يكون إلا من حاكم لا يعرف كتابًا ولا سنة، والذنب على من ولاه مثل الذنب عليه، وهو [٨ب] أحد قاضيي النار، سواء أصاب أو أخطأ، لأنه مع الإصابة حكم بالحق وهو لا يعلم به، ومع الخطأ حكم بغير الحق جهلاً منه بالحق، فإن كان ممن عنده علم بالكتاب والسنة فهو أيضًا القاضي الآخر من قضاة النار، لأنه علم بالحق، وحكم بالباطل.

ولست أظن بحاكم يعرف الكتاب والسنة ويفهمهما أنه يعدل عنهما إلى ما ليس منهما، بل إلى ما يخالفها، فإن هذا قد تقحم النار على بصيرة، واستحق العقاب على علم منه.

أما إذا لم يجد مستندًا للحكم في تلك الخصومة من كتاب، ولا سنة، ولا قياس


(١) أخرجه مسلم رقم (١٧/ ١٨٢٦) وأحمد في " المسند " (٥/ ١٨٠).
(٢) انظر الرسالة رقم (٦٠).