للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استبعدت [٩أ] هذا المقال، واستعظمت هذا الكلام، فمن نفسك أتيت، ومن قبل تقصيرك أصبت، وعلى نفسها براقش تجني (١) وإنما ينشرح لمثل هذا الكلام صدور قوم مؤمنين وقلوب رجال مستعدين لهذه المرتبة العلية.

لا تعدل المشتاق في أشواقه ... حتى تكون حشاك في أحشائه

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها

دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى ... إذا هويت فبعد ذلك عنف

إذا عرفت هذا فاعلم أن الحاكم الموثوق بدينه وعلمه ربما عمل في حكم من الأحكام بعموم من الكتاب أو السنة يخفى على كثير ممن يطلع على ذلك، فيظن به أنه عمل بالرأي عند عدم الدليل، أو عدل إلى نوع من أنواع المناسب المعمول بها عند البعض، والملغاة عند آخرين، وربما يظن به أنه خالف نصًا يعرفه، ولو علم ما عند ذلك القاضي من الوجه المسوغ للعدول لتبين له أنه لم يعدل إلا إلى ما هو حقيق بالعدول إليه بدلالة بينة يكون العدول إليها أجلب لمصالح الشريعة، وأدفع للمفاسد عنها.

لو رأى وجه حبيبي عاذلي ... لتفارقنا على وجه جميل

ولأمر ما يقول الصادق المصدوق - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فيما صح عنه في الصحيحين (٢) وغيرهما: " إذا اجتهد الحاكم فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر " فردده من أجر وأجرين، وأن هذا الأمر يقر به من قضاة الحق كل عين، ولسان حال ذلك القاضي يقول:

سيفقدني (٣) قومي إذا جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

فإن قلت: وأين هذا القاضي؟ ومتى جاد الزمان بمثله؟ وفي أي بلاد نجده؟.


(١) تقدم شرحه.
(٢) تقدم تخريجه انظر الرسالة رقم (٦٠).
(٣) سيذكرني كذا في ديوان أبي فراس الحمداني (ص٦٧).