للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الأكرمين.

وبعد:

فإن سيدي العلامة زين الأعلام، يحيى بن مطهر (١) - كثر الله فوائده - سألني عن يمين التعنت المذكورة في كتب الفروع التي تطلبها الخصوم عند التخاصم، ويلزم المطلوب بها بعض الكلام، فأقول:

اعلم أن الشارع - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جاءنا بحكم كلي ينطبق على كل ما صدق عليه ذلك الحكم فثبت عنه أن المدعي البينة، وعلى المنكر اليمين (٢)، وهو ثابت في دواوين الإسلام من طرق. وقد وقع الإجماع من المسلمين أجمعين على ما أفاده هذا الحكم النبوي، وكان المعلوم صدقه من هذه الحيثية كما تقرر في الأصول، وهو الحق.

هذا على تقدير أنه لم يثبت تواتره، فإن ثبت تواتره انضم إلى هذا الدليل على أنه من المعلوم صدقه دليل آخر فمن وجد فيه وصف كونه مدعيًا كان عليه البينة، ومن وجد فيه وصف كونه مدعى عليه كان عليه اليمين، وهذا الذي قال: إن غريمه لم يرد بطلب اليمين منه إلا مجرد التعنت، وإلا فهو يعلم أن له عنها مندوحة، وأن هناك ما يوجب رفعها عنه، وذلك إما بأن تكون الدعوى كاذبة من أصلها، فإلزام المنكر باليمين ظلم، والطالب لإعنات خصمه طالب باطل، ومريد لما هو خلاف ما شرعه الله - سبحانه - لعباده [١أ]، ولا يجوز تقريره على ذلك، لأنه فاعل لمنكر، ونهي المنكر واجب بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة والإجماع، ومعلوم أن كل حاكم إذا سمع دعوى المدعي قائلاً إن خصمه لم يطلب يمينه إلا تعنتًا وعبثًا، وهو يعلم اندفاع ذلك عنه، وعدم لزومه


(١) تقدمت ترجمته (ص١٢٠١).
(٢) تقدم تخريجه.