للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له يجوز صدقه، ويتردد بين طرفي الاحتمال، فإذا منعه من ذلك مع هذا الاحتمال كان حاكمًا بالجور، ظالمًا لمدعي التعنت، لأنه لم يكن في يده إلا مجرد الاحتمال، وهو مما لا يجوز الاعتماد عليه بإجماع المسلمين، لا سيما في مثل الخصومات، وكان مخالفًا لحكم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بأن اليمين على كل منكر (١)، وهذا الذي أنكر التعنت منكر، فالحكم عليه باليمين هو حكم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الشامل له، ولكل منكر، وهذا لا يخفى على منصف، ولا يأباه إلا متعسف.

والرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لم يأتنا عنه التعرض لتنوع الأيمان، وأن هذه يمين كذا، وهذه يمين كذا كما وقع من أهل الفروع، بل جاءنا بحكم جامع شامل كما هو ديدنه [ ..... ] (٢) في تشريع الأحكام في غالب الأحوال، فإن غالب هذه الشريعة إنما ثبت بالعمومات الكائنة في الكتاب والسنة، وهذا معلوم لكل من له علم بالكتاب والسنة.

وإذا تقرر هذا فأنت تعلم أنه إذا قرع سمع الحاكم، وسمع كل سامع قول من طلبت منه اليمين أن هذا الطالب ليميني إنما أراد العبث بي، وهو يعلم اندفاع ذلك عني بمسلك الشرع، ومنهج مرضي كان ذلك دعوى شرعية مرضية لا يحل الإخلال بها، ودفع صاحبها لمجرد [١ب] الوهم العاطل، والإباء الباطل، لأن كل من له فهم يعلم أن هذه الدعوى ما يعلم في كل دعوى يسمعها من احتمال الصدق والكذب، ويعلم أن هذا القائل قد صدق عليه أنه مدع، وأن خصمه مدعى عليه.

فلو قلنا أنه يجوز للحاكم دفع هذه الدعوى بخصوصها لمجرد الاحتمال لزمه دفع كل دعوى، لأنها في حيز الاحتمال، ولا يثبت صدقها إلا بعد أن يعضدها البرهان الذي يكون به دفع الخصومات، وهو ما أشار إليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فيما صح


(١) انظر الرسالة رقم (١٤٤) " السؤال الأول ".
وهو أيضًا عن يمين التعنت.
(٢) كلمة غير واضحة في المخطوط.