للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه بقوله: " شاهداك أو يمينه " (١). وبهذا تعلم أنه لا ملجئ لقياس هذه اليمين على يمين التأكيد، ولا على غيرها، فصاحبها قد شمله الحكم العام من سيد الأنام - عليه الصلاة والسلام -.

وأما الاعتلال بأنه يلزم التسلسل فمن أعجب ما يسمعه السامع، ومن أغرب ما ترد به الشرائع؛ فإن التسلسل كما قرره علماء المعقول هي عدم تناهي التوقفات في أمور غير متناهية، كما أن الدور هو عدم تناهي التوقفات في أمور متناهية، فلو كان لهذا الاعتلال مدخل في دفع الشريعة المطهرة لجوزناه فيمن ادعى على خصمه الذي ادعى عليه بدعوى غير هذه الدعوى، فإنه لا يمتنع أن يدعي عليه الآخر بدعوى أخرى، ثم كذلك.

ثم قد عرفت أن حكم الشرع هو إما الشاهدان أو اليمين، فلو كان للمدعي شهادة وطلب يمين المنكر كان هذا تعنتًا، لأن الجمع بين الشهادة من المدعي، واليمين من المنكر لم تثبت في هذه الشريعة، فهذه دعوى تعنت مقبولة بالحكم الشرعي، لأن خصمه أراد أن يحمله ما لا يلزمه مع وجود البينة، مع أنه لو طاوعه، وحلف لجاء بعد ذلك بالبرهان، فكان طالبًا لما يخالف الشرع من هذه الحيثية [٢أ] (٢) ..

بواجب على حكام الشرع مع الاحتمال أن يجيبوا طالب يمين المتعنت إليها إلا أن يعرفوا أن ذلك الطلب بما هو تطويل للمسافة، وإغراق في إتعاب الغريم، وجرى على ما جرى عليه عرف المتخاصمين من طلب بين التعنت في كل يمين تطلب من المنكر، فلهم المنع من ذلك، بل لا يحل لهم أن يقبلوا من طالب يمين التعنت هذا المطلب، لأنه خارج عن القوانين الشرعية، والمسالك المرضية، بل مجرد عبث وإتعاب.

وبالجملة فدعوى التسلسل باطلة، لأن غاية ما هنالك أن يدعي كل واحد من


(١) أخرجه البخاري رقم (٢٦٦٩، ٢٦٧٠) ومسلم رقم (٢٢٠/ ١٣٨) من حديث الأشعث بن قيس. وقد تقدم.
(٢) هنا قطع في المخطوط لا نعرف مقداره.