للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: لا يبعد أن يكون كذلك؛ لأن الضعف إذا كان يسيرًا صارت أحاديث الضعفاء إذا انضم بعضها إلى بعض من قسم الحسن لغيره، بخلاف ما إذا كان كل واحد ممن في تلك الأحاديث فيه ضعف شديد، فإنه لا يصير حديثه مع غيره حسنًا، وأحاديث الباب هي من القسم الأول؛ لأن الضعفاء الذين في أسانيدها ضعفهم منجبر، ولا سيما وقد وثق بعضهم بعض الحفاظ كما عرفت.

الوجه السادس والخمسون: إذا كان الحديث المسئول عنه يصير بما ذكرناه له من الشواهد حسنًا لغيره فهو من قسم المعمول به، فيجب المصير إلى تأويله بوجه من الوجوه التي قدمنا ذكرها، فالجمع مقدم على الترجيح، فإن تعذر فلا شك أن الأحاديث التي هي مخالفة لهذه الأحاديث أرجح منها، وكيف لا يكون أرجح منها وهي من القواعد المعلومة من دين الإسلام.

الوجه السابع والخمسون: إن قلت: وأي معارضة بين هذا الحديث وما شهد له، وبين تلك القواعد والأحاديث! فإن الأحاديث الواردة في اعتبار الشهادة واليمين لا تنفي اعتبار طريق [٧ب] أخرى؛ إذ لا حصر، وحينئذ فلا معارضة.

الوجه الثامن والخمسون: أنا لو فرضنا أن ثم لفظًا يفيد الحصر في أحاديث اعتبار الشاهدين واليمين ونحو ذلك لكان الحديث المسئول عنه وما شهد له صالحًا لتخصيص ذلك بمن لم يحضر على الوعد تمردًا وعصيانًا، وكذلك من أبى أن يجيب إلى حاكم من حكام المسلمين، فإنه يجوز للحاكم أن يحكم عليه بحق الغير يلزمه تسليمه أو بإسقاط حق له على الغير، وهذا الوجه يتعين المصير إليه.

الوجه التاسع والخمسون: أن هذا الترجيح الذي ذكرناه في الوجه الذي قبل هذا لا يجوز لكل حاكم، بل إنما يجوز لمن كان بمحل من الورع، وبمكان من العلم، بحيث يميز بين مصالح الشريعة ومفاسدها على وجه صحيح، ولا يكون كذلك إلا المجتهد. وأما من كان مقصرًا فهو لا يميز المصلحة من المفسدة على وجه صحيح، فقد يظن لجهله ما هو