للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

يا من حرمت الظلم على عبادك (١) كما حرمته على نفسك، أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأستكثر من حمدك وشكرك، فقد أوضحت السبيل وشفيت الغليل بما أنزلته علينا في محكم التنزيل من النعي على الظلمة بتلك الآيات المحكمة، والقوارع المؤلمة، فأقمت الحجة، وأوضحت الحجة بكلام يفهمه الصم، ونظام لا يخفى على العمي البكم، ولم تدع دقيقًا ولا جليلاً، ونقيرًا ولا فتيلاً إلا أوضحته أتم إيضاح، وأبنته أكمل بيان، فإنك - تعالى جدك، وتضاعف شكرك وحمدك - لم تكتف ببيان المؤآخذة على مثاقيل الذر إذ قلت: {ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (٢) حتى أبنت المؤآخذة بمثقال حبة الخردل كما قلت: {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (٣) بل تجاوزت هذه الغاية وأوضحت لنا ما هو دون هذه النهاية، فأخذت على العباد ألا يظلموا الناس شيئًا، وقلت: {فلا تظلم نفس شيئا} (٤)؛ فإن الشيء يصدق على عشر معشار الخردلة فما دونه، فسبحانك ما أوضح برهانك! وأتم بيانك! وأقوم حجتك! وأحكم حكمتك! ولما كانت رحمتك سابقة لغضبك (٥). وشفقتك على عبادك أكمل من شفقة الأم على


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٥٧٧) والترمذي رقم (٢٤٩٥) وقال: حديث حسن. وابن ماجه رقم (٤٢٥٧) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ... ". وانظر الرسالة رقم (١٨٠).
(٢) [الزلزلة: ٨].
(٣) [الأنبياء: ٤٧].
(٤) [الأنبياء: ٤٧].
(٥) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (٧٤٠٤) ومسلم رقم (٢٧٥١) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي ".