للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولدها (١)، كملت الحجة بإرسال رسول إليهم من أنفسهم يفهمون عنه، ويأنسون إليه، فقام فيهم مقامات، وفتق مسامعهم بكلمات بعد كلمات، يحذرهم من الظلم، ويحجزهم عن الغضب، ويقرن لهم بين الدماء والأموال والأعراض، ويبين لهم حرمتها، ويؤكد ذلك عليهم تأكيدًا أوضح من الشمس، ويكرر ذلك عليهم في المواقف والمجامع، ويستكثر منه في خطبه ومواعظه، حتى كان من جملة ما قاله عند توديعهم: " إنما أموالكم ودماؤكم وأعراضكم عليكم حرام " (٢)، ثم أشهد الله - سبحانه - على البلاغ، وأمر الناس به، وحضهم عليه، فسارت بذلك الركبان، وعرفه كل متشرع، ولم يشك مسلم من المسلمين أن هذا من ضروريات الدين، فصلى الله عليه، وعلى آله وسلم، وجزاه عن أمته أفضل ما جزى نبيًا عن أمته.

وبعد: فإن موجب تحرير هذه الكلمات أنه وصل إلي رجل من بيت النبوة هو وبعض أهله يصرخون ويبكون، ويتظلمون من عريف من عرفاء النار، كما ورد بذلك النص عن المختار (٣) - من عرفاء [١] بلاد ......................................


(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٥٩٩٩) ومسلم رقم (٢٢/ ٢٧٥٤) من حديث عمر بن الخطاب أنه قدم على رسول الله سبي. فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ " قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لله أرحم بعباده من هذه بولدها ".
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٦٧) و (٤٤٠٦) ومسلم رقم (١٦٧٩) وأبو داود رقم (١٩٤٨) من حديث أبي بكرة.
(٣) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (٢/ ٣٥٣) بإسناد حسن وأخرجه الطيالسي رقم (٢٥٢٣) وأبو يعلى في مسنده رقم (٦٢١٧) والحاكم (٤/ ٩١) والبيهقي (١٠/ ٩٧) والبغوي رقم (٢٤٦٨) وابن حبان رقم (٤٤٨٣) من طرق.
عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " ويل للأمراء، ويل للعرفاء، ويل للأمناء، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا، يتذبذبون بين السماء والأرض، ولم يكونوا عملوا على شيء ".
وأخرج أبو داود في " السنن " رقم (٢٩٣٤) من حديث غالب القعطان عن رجل عن أبيه عن جده وفيه: " ... إن أبي شيخ كبير، وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده فقال: " إن العرافة حق، ولا بد للناس من العرفاء ولكن العرفاء في النار ". وهو حديث ضعيف.
* العرفاء: جمع عريف. وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم.