للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكيف إذا كانوا لا يسمعون إلا خيرًا، ولا يعدد المعددون إلا مناقبًا، فما أحق من كان ذا عقل ودين، أن لا يرفع إلى مخرقتهم رأسًا، ولا يفتح لخزعبلاتهم أذنًا، كما قلت من أبيات (١)

[فما] (٢)

الشم الشوامخ عند ريح ... تمر على جوانبها تمود

ولا البحر الخضم يعاب يومًا ... إذا بالت بجانبه القرود

اجتمعت، في أيام الطلب، بجماعة من أهل العلم، فسمعت من بعض أهل العلم الحاضرين، ثلبًا شديدًا لوزير من الوزراء، فقلت للمتكلم: أنشدك الله يا فلان، أن تجيبني عما أسألك عنه وتصدقني، قال: نعم، قلت له: هذا الثلب الذي جرى منك، هل هو لوازع ديني تجده من نفسك، لكون هذا الذي تثلبته ارتكب منكرًا، أو اجترى على مظلمة أو مظالم؟ أم لكونه في دنيا حسنة وعيشة رافهة؟ ففكر قليلاً، ثم قال: ليس ذلك إلا لكون الفاعل ابن الفاعل، يلبس الناعم من الثياب، ويركب الفاره من الدواب ثم عدد من ذلك أشياء، فضحك الحاضرون، وقلت له: أنت إذن ظالم له، تخاطب بهذه المظلمة بين يدي الله، وتحشر مع الظلمة في الأعراض، وذلك أشد من الظلم في الأموال، عند كل ذي نفس حرة ومريرة مرة، وبهذا يقول قائلهم:

يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول [٧ب]

وبالجملة، فإني أظن أن الظلمة في الأعراض، أجرأ من الظلمة في الأموال، لأن ظالم المال قد صار له وازع على الظلم، وهو المال، الذي به قيام المعاش، وبقاء الحياة، ثم قد حصل له من مظلمته ما ينتفع به في دنياه، وإن كان سحتًا يحتاجه حرامًا. وظالم الأعراض لم يقف إلا على الخيبة والخسران، مع كونه فعل جهدًا من لا جهد له، وذلك مما تنفر عنه النفوس الشريفة، وتستصغر فاعله الطبائع العلية، والقوى الرفيعة.


(١) الشوكاني في ديوانه (ص١٢٤، ١٢٥).
(٢) في الديوان وما.