من الدين، وبتصور ما أمر الله عز وجل به، من الإخلاص، وحث عباده عليه، ويستحضر قول الصادق المصدوق- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " إنما الأعمال بالنيات "(١) فإنها قضية كلية جامعة مانعة نافعة، لا سيما بعد ضم ما ضمه رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -إلى هذه الجملة من قوله:" وإنما لكل امرئ ما نوى "، ثم تصوير ذلك وتمثيله منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -بقوله:" فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، كانت هجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها كانت هجرته إلى ما هاجر إليه ".
فإن فارق الإخلاص، ولو بمسافة يسيرة، فقد لا يتم له ما يريد بهذا السبب لا بسبب خلل في المقام الذي قامه، فإنه مقام المرسلين، والعلماء العاملين، وعباد الله الصالحين.
ورويت في كتب التاريخ [٨ب] قصة، لبعض القائمين في هذا المقام، وهو أنه وقف على آنية من الخمر، قد حمل من بعض المواضع التي يستجاد خمرها لبعض الملوك، ورأى الحاملين له قد أخرجوها من المركب إلى خارج البحر ليحملوها على الدواب بعد أن حملوها على السفن في البحر فأخذ عودًا ثم ما زال يكسرها، حتى بقيت واحدة منها، فوقف عندها قليلاً، ثم تركها ورمى بالعصى، فأخذه الواصلون بها، وقد اجتمع عليه جمع، وما شكوا أن الملك يقتله، فلما وصل إلى الملك، وقد اشتد غضبه، فقال: ما حملك على ما صنعت من الاستخفاف بنا، والإقدام على متاعنا، فقال: لم أستخف بك، بل فعلت ما أمرني الله به، وأخذه علي من النهي عن المنكر، فقال له: فما سبب تركك لواحد منها، قال: أدركت نزغة من نزغات العجب، قد أوقعها الشيطان في قلبي، فتركت كسر ذلك الواجب منها، كي لا أكسره على غير نية صحيحة مخلصة لله عز وجل. فلما سمع ذلك الملك خلى سبيله، ولم يكن له عليه سبيل. وفي هذا المقدار كفاية. والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.