للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلق إلا تقييد ما كان بدليًا ببعض الأبدال، كما أنه ليس المطلوب من بناء العام على الخاص إلا إخراج بعض الأفراد من تحت حكم العام، وهي الأفراد التي يتناولها الخاص، وينبغي أن تعلم أن هذه الخلاصة التي جاء بها السائل - نفع الله بعلومه - قد أشارت إلى الوفاق بكف سوي تأدت باندفاع ما قدمه بصوت علي قوي، فإن الرجل المذكور في حديث سمرة قد كان لفرد منتشر بين أفراد المتهم وغير المتهم، فكان تقييده بالمتهم المذكور مفهومًا في حديث أسيد [٤ب] مقللاً لانتشاره، وموجبًا لحمله على بدل من تلك الأبدال. وإذا كان الأمر هكذا باعتراف السائل - عافاه الله - فما بقي للخلاف معنى، بل صار النزاع ضائعًا.

قال - كثر الله فوائده -: لا يستقيم إلا في الرجل غير المتهم ... إلخ.

أقول: لعله بني على هذا التلازم بين كون الرجل متهمًا، وبين كونه سارقًا وهذا ممنوع، فإنه لا تلازم لا عقلاً، ولا شرعًا، ولا عادة. أما عقلاً فظاهر؛ إذ ليس من أحكام العقول أن يقضي بأن كل من كان متهمًا بشيء فهو فاعله، وأما شرعًا فلعدم اكتفاء الشارع بمجرد التهم، بل قال: " على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين " (١).

وأما عادة فكم من متهم بأمر ينكشف مظلومًا مبهوتًا! وإذا كان الظن أكذب الحديث (٢)، وكان منهيًا عن اتباعه والعمل عليه، فكيف يكون مجرد تهمة رجل لرجل لا


(١) وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.
(٢) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (٦٠٦٤) ومسلم رقم (٢٥٦٣، ٢٥٦٤) وأبو داود رقم (٤٩١٧) والترمذي رقم (١٩٨٨) من حديث أبي هريرة قال أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم ... ".