وأما من كان متهمًا عند صاحب العين فهو لا يعتقد أنه مظلوم إذا أخذها منه، وبعد هذا كله فهذا حكم من الشارع الحكيم، فليس لنا أن نستنكره بعقولنا.
قال - عافاه الله -: ولا شك أن ما كثرت طرقه وعاضدته كليات الشريعة ... إلخ.
أقول: هذا الترجيح إن كان [٥ب] مبنيًا على ما قدمه من تسليم كون حديث سمرة، وحديث أسيد في غير المتهم بالسرقة فهو ممنوع كما عرفت، وإن كان الترجيح لا باعتبار هذه الرواية في حديث سمرة، بل باعتبار الرواية الأخرى المذكورة فيه، وهي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيع من باعه ". فلا شك ولا ريب أن هذه الرواية أعم مطلقًا من حديث أسيد بن حضير، ومن حديث أسيد بن ظهير، ومن الرواية المصرحة بالسرقة في حديث سمرة.
أما على ما صرح به السائل - عافاه الله - في جوابه من أن حديث سمرة وأسيدًا بما هما في غير المتهم بالسرقة فواضح لا يخفى، وأما على ما قررنا من الإطلاق والتقييد، فلأن غاية ما في ذلك أن حديث أسيد بن حضير [٦أ]، وحديث أسيد بن ظهير قد صرحا بحكم وجود العين المسروقة في يد غير المتهم، وهذا الحكم هو التخيير، وتلك الرواية المصرحة بالسرقة في حديث سمرة قد تضمنت بحكم حمل المطلق على المقيد أنها في الرجل المتهم، وجميع هذا المستفاد من هذه الروايات أخص مطلقًا من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في حديث سمرة:" من وجد عين ماله عند رجل " فكيف صار السائل - كثر الله فوائده - إلى التعارض بين عام وخاص في غاية الظهور والوضوح! وقد علم أن بناء العام على الخاص (١) متفق عليه في الجملة عند من يعتد بقوله من علماء الأصول وغيرهم كما هو معروف مشهور.
ووقوع الخلاف في بعض الأسباب والشروط لا يقدح في الإجماع على الجملة كما هو معروف، فإن كان هذا الإهدار لوجود قادح في الخاص فما هو؟ فقد أوضحنا الكلام
(١) تقدم ذكره. وانظر: " إرشاد الفحول " (ص٤٥٥)، " البحر المحيط " (٣/ ١٩٨).